الفصل السابع: المنام الواحد يختلف باختلاف لغتين

الفصل السابع: المنام الواحد يختلف باختلاف لغتين
الفصل السابع: المنام الواحد يختلف باختلاف لغتين

المنام الواحد يختلف باختلاف لغتين.

كالسفرجل : عز وجمال وراحة ، لمن يعرف بلغة الفرس. لأنه بلغتهم : َبهي. وهو للعرب ولمن يعاشرهم دال على : السفر ، والجلاء. ويختلف باختلاف الأديان.

كمن يرى أنه يأكل الميتة ، الميتة : مال حرام ، أو نكد عند من يعتقد تحريمها ، وهي رزق وفائدة عند من يعتقد حلها.

ويختلف باختلاف الزمان.

فإن الاصطلاء بالنار والتدفي بالشمس ، وملابس الشتاء ، واستعمال الماء الحار ، ونحوه لمن مرضه بالبرودة ، أو في الزمن البارد : خير وراحة.

وهو في الصيف : أمراض ، أو نكد.

آما أن استعمال الرفيع من القماش ، أو الماء البارد ، ونحوه ، في الصيف : راحة وفائدة. وفي الشتاء : عكسه.

ويختلف باختلاف الصنائع.

فإن ُلَبس السلاح ، أو العدد ، للجندي البطال : خدمة. وللمقاتل : نصر. وللرجل العابد : بطلان عبادة. ولغيرهم : فتنة ، وخصومة.

ويختلف باختلاف الأماكن.

فإن التعري في الحمام ، وفي المكان المعتاد فيه : جيد. للعادة. وهو في غيره من مجامع الناس : رديء ، وشهرة دونه. خصوصًا إن كان مكشوف العورة.

ويختلف باختلاف عادات الناس.

فإن حلق اللحية ، أو الرأس ، عند من يستحسن ذلك : خير ، وذهاب نكد. كما أن ذلك : نكد ، وخسران ، عند من يكرهه(8).

ويختلف باختلاف المعايش ، والأرزاق

فإن لبس القماش الوسخ ، أو المرقع ، أو العتيق ، للطباخين ، والوقادين ، وأمثالهم : دال على إدرار معايشهم ؛ لأنهم لا يلبسون ذلك إلا وقت معايشهم.

وهو رديء في حق من سواهم. آما أن لبس النظيف : يدل على بطلان معيشتهم. لكونهم لا يلبسونه إلا أوقات بطالتهم.

وهو ، والرائحة الطيبة ، لغيرهم : رفعة ، وخير. وطيب قلب ، وثناء جميل ، في حق من سواهم.

ويختلف باختلاف الأمراض.

فإن الحلاوات لأرباب الأمراض الحارة : طول مرض ، ونكد. وهو : جيد لأصحاب البرودات.

آما أن الحامض ، لهم : جيد. ونكد لأصحاب البرودات.

ويختلف بالموت والحياة.

فإن لبس الحرير ، أو الذهب : مكروه ، لمن لا يليق به من الرجال. وهو على الميت : دليل على أنه في حرير الجنة .

ويختلف باختلاف الفصول

فإن الشجرة في إقبال الزمان : خير ، وفائدة مقبلة. وآذلك ظلها في زمن الحر. ويدل على النكد في غير ذلك.

قال المصنف :

الشيء الواحد اعتبره باختلاف حال رائيه. فإن لبس الرفيع في الشتاء ، أو لمريض بالبرودة : نكد. وبالضد من ذلك في الصيف. ولأرباب الحرارة

وللعزب : تزويج حسن هين لين.

ولأرباب البنايات : أماكن حسنة ،

ويدل على معاشرة من فيه خلق حسن.

ولأرباب الأسفار : طريق سهلة.

ولأرباب الحوائج : تيسير أمور.

ولأرباب الخراجات ، والقروح في البدن : عافية.

ونحو ذلك. وبالعكس عكسه.

فعلمنا بذلك أنه إذا أراه إنسان طرقًا ، أو رآه جماعة مختلفو الأحوال ، اختلف الحكم باختلاف الحال آما ذكرنا. والله تعالى أعلم. فافهم ذلك.

وإذا اشترآت أشياء في وصف واحد ،

وتكررت في المنام ؛ الغالب أن يكون الحكم واحدًا في الأشياء الردية.

واعتبر ألفاظ الناس بالنسبة إلى اصطلاح جنس الرائي. آما إذا دل البطيخ على النكد من بطاط أو خائن لاشتقاق ذلك. وهو عند بعض لغة الحجاز دال على النكد من محبة وعشرة ؛ لأنه بلغتهم حب حب. ونحو ذلك فافهم.

وإذا كان لأحد عادة بحلق رأسه أو لحيته وقد طالت في اليقظة – ولم يكن حدث نفسه بزوال ذلك – فهو دال من الخير على ما ذآرنا.

ولو كان محلوقًا أو حدث نفسه بزواله فلا حكم له. آما أنها إذا كانت في اليقظة محلوقة ولم يكن أضمر بقاء الشعر دل على ال َّديْن والهموم والأمراض والكلام الردي. ونحو ذلك والعياذ باالله تعالى.

وحلق اللحية أو الرأس عند من يستحسن ذلك : خير وذهاب نكد. آما أن ذلك نكد وخسران عند من يكرهه.

وهذا الحكم أصل آبير. وهو مما يغفل عنه أكثر أرباب هذا الشأن. ولا يجوز إهماله أصلا ، فإن أكثرهم حكم برداءة ذلك ، وليس بصحيح ، بل اعتبر ما ذآرناه من أحوال أولئك آما تقدم ، ولا تغفل عنه تخطئ. والله سبحانه وتعالى أعلم.

واعتبر الحلاوات على ما ذآرنا. واليابسة للصحيح إذا جرحت فاه ، أو آسرت شيئًا من أسنانه ، أو لوثت شيئًا من ثيابه ، أعطت الرداءة والنكد فافهم ذلك.

وإنما كان الحامض رديًا لما ذآرنا ؛ لانقباض البشرية وتغيرها عند أكله ، ولنفور النفوس منه عند أكله خاليًا عن غيره ؛ لأن مجرد الحامض لا يؤآل بلا واسطة إلا لضرورة. والحلو بخلافه ، فهو كالمر والملح لا يؤآل آثيرًا إلا لضرورة أو بواسطة.

والشجرة في إقبال الزمان : خير وفائدة مقبلة. وإقبال زمان آل شجرة قرب انتفاع الناس بها فيما هي مرصدة له. فافهم جميع ما يمكن النفع فيها فذلك إقبال زمانها ،

حتى إنك تقول لمن يريد الحطب عن الشجرة اليابسة : راحة مقبلة ُمَي ّسرة.

ولمن يطلب ورقها كالتوت وقت ظهور الورق : فائدة مقبلة. ولمكن يطلب ثمرها : فائدة وقت ذلك على ما شرحناه في موضعه.


(8) وكمن كنت عادته لبس السواد فإنه دال له على الرفعة والعلو وسيادة الناس وتحسن أمور معايشه ، والنقيض لمن لم يكن معتا ًدا على لبسه في اليقظة ودال على الهموم والأحزان والأوجاع ، وقد كانت الرؤيا لها دخل بعادات الإنسان ، لأنها إنما تعتبر تعبير عن الذات في أحيان آثيرة.

كاتب تفسير الاحلامالبدر المنير في علم التعبير – لامام الشهاب العابر المقدسي الحنبلي