الحساسيّة
تُعرّف الحساسيّة (بالإنجليزية: Allergy) بشكلٍ عام بأنّها تفاعل جسم الإنسان مع بعض المواد أو الأجسام التي يتمّ تصنيفها من قبل جهاز المناعة (بالإنجليزية: Immune System) على أنّها أجسام غريبة وضارّة بالجسم، لكنّها في حقيقة الأمر ليست كذلك، ولا تتسبّب في تحفيز تفاعل الجهاز المناعيّ عند أغلب الأشخاص، ويؤدي هذا التفاعل إلى إحداث أعراضٍ وعلاماتٍ متنوعة في الجهاز التنفسيّ مثلاً أو الجهاز الهضميّ، وغيرها العديد من الأعراض التي قد تظهر على أجهزة وأجزاء الجسم المختلفة.
آلية حدوث الحساسيّة في الجسم
يبدأ حدوث التفاعل المناعي للحساسية في الجسم عندما تتمايز الخلايا المناعية التائية (بالإنجليزية: T-Cells) إلى الخلايا التائية المساعدة من النوع الثاني (بالإنجليزية: T-helper-2 Cells) الخاصة بالمواد المسببة للحساسيّة، والتي بدورها تحفّز الخلايا البائية (بالإنجليزية: B-Cells)، وتحفّز تكوين الأجسام المضادة المناعية من النوع E الخاصّة بالمواد المسببة للحساسية (بالإنجليزية: Allergen-Specific IgE Antibody). عند ارتباط الأجسام المضادة من النوع E بالمستقبلات الموجودة على سطح الخلايا الصارية (بالإنجليزية: Mast Cells)، وخلايا الدم البيضاء القاعدية (بالإنجليزية: Basophils)، والخلايا المقدِّمة للمستضدّ (بالإنجليزية: Antigen Presenting Cells)، يتم تحفيز إفراز مواد مثل الهستامين (Histamine) والسايتوكاين (Cytokines)، وغيرها من المواد التي تحفز بدء تفاعلات فرط التحسس في الجسم (بالإنجليزية: Hypersensitivity Reactions). ويؤدّي إفراز مثل هذه المواد إلى حدوث أعراض متنوّعة في أجهزة الجسم المختلفة تختلف باختلاف تفاعل الجسم مع هذه المواد؛ كتحفيز عملية العطاس، واحمرار وانتفاخ العينين، وصعوبة في التنفس، وحكة أو طفح في الجلد، وحدوث تشنجات في البطن، وإسهال واستفراغ، وقد تصل إلى توقف مفاجئ في عمل جهاز الدوران أو الجهاز التنفسي.
أنواع الحساسيّة
توجد الكثير من أنواع الحساسية نذكر منها:
حساسيّة الرّبيع (بالإنجليزية: Spring allergy)
هي الحساسيّة الناتجة عن حبوب اللقاح (بالإنجليزية: Pollen Allergy)، تحدث عندما تكون المادة المحفّزة للتفاعل المناعيّ هي حبوب اللّقاح المنتشرة في الهواء؛ حيث تنتجها الأشجار والأعشاب المختلفة في فصل الربيع لعمليّة التلقيح. أما بالنسبة لأعراضها فهي تظهر عند الأشخاص الذين لديهم حساسيّة تجاهها، وذلك فقط عند وصول حبوب اللقاح لأنف الشخص، من الجدير بالذكر أن الأمر لا يتعلق بالنباتات المحيطة فقط، فحبوب اللقاح تقطع مسافة أميال، ومن أعراضها حدوث سيلان في الأنف، والعطاس، وحكّة في الأنف والعينين، وإدماع العينين وظهور دوائر سوداء تحتهما.
حساسيّة الأدوية (بالإنجليزية: Drugs Allergy)
أو يطلق عليها التفاعلات الدوائية الضارة (بالإنجليزية: Adverse Reactions to Drugs)، وتظهر عند الأشخاص الذين يقوم جهازهم المناعيّ بتصنيف بعض الأدوية على أنها أجسامٌ غازِيَةٌ للجسم، ويوجد هذا النوع من الحساسيّة عند نسبة قليلة من الناس، وقد تتسبّب في حدوث أعراض جلديّة كالشرية (بالإنجليزية: Hives)، أو أعراض في أجهزة الجسم العامّة كحدوث صفير في التنفس، وانتفاخ في اللّسان أو الحلق، وهبوط في الضغط، وقد تمتد إلى أخطر أعراضها وهو الإعوار أو صدمة الحساسيّة (بالإنجليزية: Anaphylaxis).
الحساسيّة تجاه الفطريّات، والعفن، وبعض الحيوانات والحشرات
لا يرتبط هذا النوع من الحساسيّة بموسم أو فصل معيّن، فمثلاً تحفّز أبواغ الفطريّات كالعفن المنزلي التفاعل المناعيّ عند بعض الأشخاص، وقد يتسبّب تعرّض بعض الأشخاص لبعض المواد التي يتم تجميعها وحملها على شعر الحيوانات كالخلايا الميّتة، واللّعاب، والبول بحدوث تفاعل مناعيّ في الجسم، كما قد يؤدي لدغ بعض أنواع الحشرات وإفرازها لموادّ سامة في الجسم إلى تحفيز التفاعل المناعيّ، والذي قد تظهر أعراضه على شكل أعراض مشابهة لنزلات البرد ولكنها تمتد لأسابيع أو أشهر، وقد تتسبّب أحياناً في حدوث الإعوار والذي يتطلب اتخاذ إجراء طبيّ سريع ومباشر.
وهنالك أنواع أخرى للحساسيّة مثل حساسيّة الطّعام، وحساسيّة الصيف، وحساسيّة الخريف، وحساسيّة الشتاء وغيرها.
تشخيص الحساسيّة
لتحديد التشخيص الدقيق والمادة المسبّبة للحساسيّة يتم عمل الفحوصات الآتية:
- فحص الحساسيّة عن طريق الجلد: في هذا الفحص يتم وضع أنواع متعدّدة من المواد التي من الممكن أن تسبّب الحساسيّة على منطقة معينة عن طريق وخزها على سطح الجلد، وعند ظهور انتفاخ بسيط يكون ذلك مؤشّراً على أن هذه المادة هي من المواد المسبّبة للحساسيّة عند الشّخص. ومن الجدير بالذكر أنّ هذا الفحص يعدّ من أكثر فحوصات الحساسيّة استخداماً، حيث إنّه لا يتسبّب في إحداث ألم كبير للمريض.
- فحص الغلوبولين المناعي E في الدم: (بالإنجليزية: IgE Blood Test) يتم استخدام هذا الفحص عند تعذّر استخدام فحص الجلد، كوجود بعض الحالات الجلديّة المرضيّة أو استخدام بعض الأدوية التي تجعل استخدام فحص الجلد غير آمن أو غير فعال.
- فحص الخطر: (بالإنجليزية: Challenge Test) يقوم الشّخص باستشاق أو بلع كميّة قليلة جداً للمواد المحتمل أن تسبّب الحساسيّة تحت رعاية طبيب مختص، ويتم استخدام هذا النوع عادةً لتشخيص حساسيّة الطعام أو حساسية الأدوية.
الوقاية والسيطرة على الحساسيّة
تعتمد السّيطرة على الحساسيّة ومنعها على نوع الحساسيّة، ويكون عن طريق تجنّب المواد المسبّبة للتحسّس لدى الشخص أو تقليل الاحتكاك بها في حال كان من الصّعب تجنّبها، ويعتبر تدوين وكتابة جميع الأمور التي قام بها الشّخص بالإضافة إلى تدوين الطعام الذي تناوله مع توثيق وقت حدوث الأعراض والأمور التي ساعدت على تحسّن الأعراض من الطرق التي تساعد الطبيب على تحديد مسببات الحساسيّة وبالتالي الوقاية منها.
من المهمّ جداً إبقاء حقنة الإبينيفرين (Epinephrine) التّي يصفها الطبيب المعالج طوال الوقت مع الشّخص المعرّض لحدوث الإعوار، بالإضافة إلى أهمّية ارتداء الأشخاص الذين تعرّضوا في أيّ وقت من حياتهم لردّ فعل تحسسيّ شديد لقلادة أو سوار للإنذار، وذلك بهدف إعلام الأشخاص الآخرين بوجود تحسس شديد وخطير في حال حدوث ردّ فعل يجعل الشّخص المصاب غير قادر على التواصل.
يُنصَح الأشخاص المصابين بالحساسيّة النّاتجة عن حبوب الّلقاح بتقليل تعرضهم وخروجهم من المنزل في فترة انتشار حبوب اللّقاح في الهواء، واستخدام نظّارات للشّمس أو لبس القبعات لتغطية العينين والشعر، والبدء بتناول أدوية الحساسيّة قبل فترة انتشار حبوب اللقاح لكي تتمكن هذه الأدوية من العمل بشكل أكثر فاعلية، فهي تمنع إفراز مادة الهستامين وغيرها من المواد المحفزة للحساسية في الجسم، بالإضافة إلى إبقاء النّوافذ مغلقة في فترة انشار حبوب اللّقاح وغسل الفراش بالماء السّاخن والصابون مرة واحدة أسبوعياً.
علاج الحساسيّة
تتكوّن رحلة علاج الحساسيّة من عدّة خطوات؛ ويعتبر تجنّب التعرض للمادة المسبّبة للحساسية من أهم الخطوات، وقد يتم استخدام بعض الأدوية مثل مضادات الهستامين (بالنجليزية: Antihistamine)، والكورتيكوستيرويد (Corticosteroids)، والمونتيلوكاست (Montelukast)، وغيرها من الأدوية بأشكالها المختلفة كقطرات العين وبخاخات الأنف.
في بعض الحالات المستعصية يتم استخدام العلاج المناعيّ؛ حيث يقوم الطبيب بإعطاء المريض كميّات صغيرة ومتكررة من المادة المسبّبة للحساسية عن طريق الحقن على فترات زمنية قد تمتد إلى سنوات، وفي بعض الحالات يقوم الطبيب بإعطاء المريض جرعة من الإيبينيفرين ويحتفظ المريض بها، ويستخدمها للسيطرة على الأعراض الحادّة إلى حين تمكّنه من الذهاب إلى قسم الطوارئ.
من الجدير بالذكر أنّ تأثير استخدام النساء الحوامل بعض المواد مثل المكملات الغذائية، وزيت السمك، والبريبيوتيك (Prebiotics)، والبروبيوتيك (Probiotic) لمنع حدوث حساسية الطّعام والإكزيما عند أطفالهنّ ما زال طور الدراسة.
مضاعفات الحساسيّة
إن من أهم مضاعفات ردّ الفعل المناعيّ التحسسيّ على الجسم الآتي:
- الإصابة بمرض الربو: (بالإنجليزية: Asthma) حيث إنّ الإصابة بالربو يتم تحفيزها في أغلب الأحيان عند التعرض لمادة مسببة للحساسيّة.
- اللحميات الأنفية: (بالإنجليزية: Nasal Polyps) حيث إنّ التهاب أغشية الأنف الذي يرافق الحساسيّة قد يتسبب في ظهور هذه اللحميات، والتي بحسب حجمها قد تؤدي إلى إحداث مشاكل في التنفس أو التقليل من حاسة الشم عند الشّخص المصاب، كما قد تؤدي إلى إحداث انسداد في الجيوب الأنفيّة مما يتسبّب في التهاب الجيوب الأنفيّة (بالإنجليزية: Sinusitis).
- التهاب الجيوب الأنفية: تسهم الحساسيّة في احتقان الجيوب الأنفية وإغلاق تصريفها الطبيعي للمخاط وتكوّن اللحميات الأنفية، مما يؤدّي إلى احتباس وتجميع المخاط فيها، وبالتّالي التعرض للإصابة بالتهاب الجيوب، لذا يُنصَح بغسل فتحات الأنف بشكل يومي، واستنشاق بخار الماء لفتح القنوات والجيوب الأنفية ومنع انسدادها.
- التهاب الأذن الوسطى: (بالإنجليزية: Otitis Media) يحدث هذا النّوع من الالتهاب نتيجةً للحساسيّة، حيث تؤثر الحساسيّة في عمل قناة إستاكيوس أو ما يسمى بالنفير (بالإنجليزية: Eustachian Tube)، وتتجمّع السوائل خلف طبلة الأذن وتتعرض للالتهاب.