مرض النّقرس
يُعتبَر مرض النقرس أحد أنواع التهاب المفاصل ينشأ عند بعض الأشخاص الذين لديهم نسبة مرتفعة من حمض اليوريك في الدّم، إذ يكوّن حمض اليوريك بلّوراتٍ شبيهةً بالإبر داخل المفاصل، ممّا يتسبّب في حدوث أعراض المرض. يتكوّن حمض اليوريك في الجسم بشكل طبيعيّ عندما يقوم الجسم بتحطيم مواد تُسمّى البيورين (بالإنجليزية: Purines)، والتي توجد في خلايا الجسم البشري وفي أطعمةٍ متعدّدة، ويتمّ نقل حمض اليوريك عن طريق الدّم لإخراجه عبر الكلى وطرحه في البول. وتكون زيادة حمض اليوريك في الدّم بسبب إفراز حمض اليوريك بشكلٍ زائد عند بعض الأشخاص، وفي حالاتٍ أُخرى يكون إفرازه بشكلٍ طبيعيّ ولكن لا تستطيع الكلى معالجته بالشكل الصحيح؛ وبالتالي يتعرّض بعض الأشخاص للإصابة بالنّقرس.
أعراض مرض النّقرس
قد يُصيب النقرس مفاصل القدم، والكاحل، والركبة، وأصابع اليدين، والكوع، وقد يظهر مرض النقرس بالبداية على شكل عُقَدٍ على اليدين، والأكواع، والأذان، وقد لا يعاني الشخص المصاب بأيّ أعراض نمطيّة. وفي بعض الحالات قد يكون حدوث الأعراض بشكلٍ مستمرّ ومتواصل؛ أي كلّ الوقت تقريباً وليس على شكل نوباتٍ مؤلمة، ويسمّى في هذه الحالة النقرس المزمن (بالإنجليزية: Chronic gout)، ويتشابه هذا النّوع عند الكبار بالعمر المصابين بالنّقرس مع أنواع أُخرى من التهاب المفاصل (بالإنجليزية: Arthritis)، ومن الجدير بالذّكر أنّ النقرس المزمن أقلّ ألماً. ومن المُحتمل أن يؤدّي النقرس إلى حدوث التهابٍ في الأكياس المملوءة بالسوائل والمحيطة بالأنسجة خصوصاً في الكوع والرّكبة. ومن المهمّ معرفة أنّ أعراض النّقرس تتشابه مع أعراض حالات صحيّة أخرى، وقد تبدأ الأعراض بالحدوث بعد التّعرض لمرضٍ ما أو لعمليّةٍ جراحيّة، ومن أعراض هذا المرض ما يأتي:
- الشّعور بألمٍ مع حرارة وانتفاخ في المفصل، وعادةً تحدث هذه الأعراض في مفصل الإصبع الكبير للقدم، ويبدأ الشّعور بالألم عادةً أثناء الليل، وقد يزداد سوءاً بشكلٍ متسارع لدرجة عدم احتمال أيّ ضغطٍ بسيطٍ حتى لو كان بسبب ورقةٍ خفيفة، وقد يستمرّ الألم لساعاتٍ أيضاً.
- ظهور الجلد باللون الأحمر أو الأرجواني في المنطقة المحيطة بالمفصل المُصاب، حيث تبدو كأنّها مصابة بالاتهاب.
- محدوديّة في حركة المفصل المصاب.
- الشّعور بحكّة وتقشير في الجلد المُحيط بالمفصل المُصاب كلّما تحسّن المرض.
عوامل الإصابة بمرض النّقرس
قد تؤدّي الأسباب الآتية إلى الإصابة بالنقرس أو جعل الشّخص معرّضاً للإصابة:
- بعض العوامل التي لا يمكن تغييرها؛ مثل وجود تاريخ مرضي في العائلة للإصابة بالنّقرس، ووجود بعض الحالات المرضيّة النادرة منذ الولادة، والتي تتسبّب في زيادة نسبة حمض اليوريك في الدّم مثل متلازمة كيلي-سيغميلر (بالإنجليزية: Kelley-Seegmiller syndrome)، ومتلازمة لش-نيهان (بالإنجليزية: Lesch-Nyhan syndrome). يُذكَر أنّ الذكور معرّضين للإصابة بنسبةٍ أكبر.
- بعض الأدوية قد تؤدّي إلى زيادة نسبة حمض اليوريك في الدم؛ مثل الاستخدام المنتظم والدائم للأسبيرين أو النياسين (بالإنجليزية: Niacin)، والأدوية المدرّة للبول، والعلاجات الكيميائيّة التي تُستَخدم عادةً لعلاج السرطان، والأدوية المُثبّطة للمناعة مثل دواء السيكلوسبورين (بالإنجليزية: Cyclosporine) الذي يُستخدم لمنع رفض الجسم بعد زراعة الأعضاء.
- بعض الأسباب المُتعلّقة بالحمية الغذائيّة والوزن، مثل السُمنة، وشرب الكحول بشكلٍ متوسّط أو شديدٍ وبانتظام، وتناول الأطعمة الغذائيّة الغنيّة بمادة البيورين مثل الطعام البحريّ واللحوم، وتعرّض الجسم للجفاف بشكلٍ متكرر، والحميات الغذائيّة منخفضة السّعرات الحراريّة بشدّة.
الفحوصات اللازمة لتشخيص النّقرس
تعتبر الفحوصات الآتية من ضمن الفحوصات المُستَخدمة للمساعدة على تشخيص النقرس:
- فحص سائل المفصل: حيث يتمّ استخدام إبرة لسحب السائل المحيط بالمفصل المُصاب لفحصه تحت المجهر، حيث قد يُظهر السائل وجود بلورات من مادّة اليورات (بالإنجليزية: Urate crystals).
- فحص الدم: حيث يمكن فحص نسبة حمض اليوريك ومادة الكرياتينين في الدّم، لكنّ هذا الفحص قد يُعطي نتائجَ مُضَلّلةً؛ إذ قد تكون نسبة حمض اليوريك مرتفعةً عند بعض الأشخاص دون أن تظهر عليهم أيّ أعراض، وفي المقابل قد تظهر أعراض النقرس عند بعض الأشخاص بالرّغم من كون نسبة حمض اليوريك ضمن المستوى الطبيعيّ.
- التصوير بالأشعّة السينيّة: حيث يتم أخذ صورة للمفصل لاستبعاد الأسباب الأُخرى التي قد تتسبّب في حدوث التهابٍ في المفاصل.
- الفحص بالأشعة فوق الصوتيّة: حيث يتمّ إجراء فحص الجهاز العضليّ الهيكليّ لملاحظة وجود بلورات من مادة اليورات في المفاصل مثلاً.
- الفحص بالأشعة المقطعيّة ثنائيّة الطاقة: يمكن باستخدام هذا الفحص ملاحظة وجود بلورات من اليورات في المفاصل بالرّغم من عدم التهابها بشكلٍ حاد، ولكنّ هذا الفحص غير متاح بشكلٍ واسع ولا يُستخدم عادةً بسبب ارتفاع تكلفته.
علاج مرض النّقرس
يتمّ السيطرة على هذا المرض عن طريق ثلاث مراحل أساسيّة وهي معالجة النّوبة الحادّة، والوقاية لمنع حدوث النوبات، وتقليل الزيادة في مخزون اليورات لمنع حدوث نوبات التهاب المفاصل المتعلّقة بالنقرس وتقليل ترسيب بلّورات اليورات في الأنسجة. بشكلٍ عام إن ارتفاع حمض اليوريك الذي لا يتسبّب في حدوث أعراضٍ عند الشخص لا تجب معالجته، لكن في حال زاد إفراز حمض اليوريك وارتفعت نسبة حمض اليوريك في الدم عن 11 ميليغرام/ديسيليتر ستزيد فرصة تكوّن حصىً في الكلى واعتلال الكلى، لذا فإنه من الضروريّ فحص وظائف الكلى عند هؤلاء الأشخاص. وتعمل الأدوية التي تقلّل نسبة اليورات في الدّم على تقليل احتمال حدوث ضررٍ للكلى في مرضى النقرس.
علاج النوبات الحادّة
يجب الانتباه لعدم بدء علاج الحالات التي لم يتمّ تأكيد تشخيصها بشكلٍ نهائيّ، فمثلاً تتشابه أعراض التهاب المفاصل الإنتانيّ (بالإنجليزية: Septic Arthritis) مع النقرس أو النقرس الكاذب (بالإنجليزية: Pseudogout)، وقد يتسبّب عدم معرفة وجود التهاب المفاصل الإنتانيّ بفقدان الطرف المُصاب أو حتّى فقدان حياة الشخص. ويتمحور علاج النوبات الحادّة للنقرس حول إزالة الألم والالتهاب، ويتمّ اختيار العلاج المناسب حسب الوضع الصحّي للشخص بحيث يعتمد على وجود مشاكل لديه؛ كمشاكل الكلى أو قرحة في الجهاز الهضميّ. ومن الأدوية المُستخدمة في ذلك:
- مضادات الالتهاب غير الستيرويديّة (بالإنجليزية: Nonsteroidal Anti-Inflammatory Drugs): تُعتبر الخيار الأوّل لحالات النقرس الحاد لدى الأشخاص الذين لا يعانون من مشاكل صحية أخرى، ويجب تجنّب هذه الأدوية للمرضى الذين لديهم تاريخٌ مرضيّ لقرحة أو نزف في الجهاز الهضميّ، وقصور الكلى، وخللٌ في وظائف الكبد، وفي المرضى الذين يتناولون علاج الوارفارين (بالإنجليزية: Warfarin)، ومرضى العناية الحثيثة المُعرَّضين لحدوث التهاب في المعدة. ومن هذه الأدوية دواء إندوميثاسين (بالإنجليزية: Indomethacin)، وغيره من مضادات الالتهاب غير الستيرويديّة، لكن من المهم تجنّب استخدام الأسبرين حيث إنّه يؤثّر في مستوى حمض اليوريك وبالتالي قد يزيد من حدّة ومدّة النوبة.
- الكولشيسين (بالإنجليزية: Colchicine): قلّ استخدام هذا العلاج في الفترة الأخيرة بسبب ضيق نافذته العلاجية، واحتماليّة حدوث السُمّيّة، ومن الجدير ذكره أنّه يجب البدء باستخدامه خلال ستٍ وثلاثين ساعة من حدوث النوبة من أجل الحصول على التأثير والفاعليّة، ويجب تجنّب استخدامه في حالات اختلال وظائف الكبد، وانسداد القناة الصفراويّة، وفي الحالات التي يقلّ فيها معدّل الترشيح الكلويّ (بالإنجليزية: Glomerular Filtration Rate) عن عشرة مليلتر/دقيقة، وفي المرضى الذين لا يمكنهم تحمّل الإسهال الناتج عن استخدامه كأحد الآثار الجانبيّة.
- الكورتيكوستيرويد (بالإنجليزية: Corticosteroids): يتمّ استخدامها للمرضى الذين لا يمكنهم استخدام مضادات الالتهاب غير الستيرويديّة أو الكولشيسين، ويمكن إعطاء هذه الأدوية عن طريق الفم أو عن طريق حقنها داخل الوريد أو حقنها في العضلات أو حقنها داخل المفصل، حيث تُستخدم الأخيرة في الحالات التي تحدث فيها النوبات في مفصلٍ واحدٍ، وذلك عن طريق إعطاء حقنةٍ طويلة المفعول بهدف تقليل التأثيرات على كامل أجهزة الجسم عند أخذ الكورتيكوستيرويد الفموي، ولكن يجب التأكد من عدم وجود التهابٍ قبل إعطائها. ومن المهمّ اتخاذ الإجراءات لمنع حدوث هشاشة العظام في حالات العلاج بالكورتيكوستيرويد التي تمتدّ لأكثر من أسبوعين.
- الهرمون الموجّه لقشرة الكظريّة (بالإنجليزية: Adrenocorticotropic Hormone).
علاج النقرس المزمن
في كثيرٍ من الحالات عند حدوث أوّل نوبةٍ للنقرس يُنصح بالبدء بأخذ الأدوية المُخفّضة لحمض اليوريك، لكن في حال كانت أول نوبة غير شديدة ينصح بعض أخصائيّي الروماتيزم والمفاصل بالانتظار إلى حين حدوث النوبة الثانية للبدء بالعلاج. ومن الجدير ذكره أنّ نسبة احتمالية حدوث نوبةٍ ثانيةٍ هي 62% بعد أول سنة، و78% بعد سنتين، و93% بعد عشر سنين، ويعتمد اتخاذ القرار في بدء العلاج على نسبة حمض اليوريك في الدم. ومن المهمّ معرفة أنّ العلاج طويل المدى يهدف ويركّز على تقليل نسبة حمض اليوريك في الدم، ويجب الابتعاد عن استخدام الأدوية والعلاجات التي تزيد من نسبة حمض اليوريك، ولكن في الحالات التي تستدعي الحاجة لها لا بدّ من ضبط جرعة دواء الألوبيورينول (بالإنجليزية: Allopurinol) أو البروبينسيد (بالإنجليزية: Probenecid) والتي تستخدم لعلاج النقرس المزمن. ويُنصح الأشخاص المُصابين باتباع حمية غذائيّة في حالات السُّمنة، ووقف شرب البيرة، والابتعاد عن الأطعمة الغنيّة بمادة البيورين (بالإنجليزية:Purine).
يمكن علاج النقرس المزمن باستخدام الأدوية الآتية:
- الألوبيورينول (بالإنجليزية: Allopurinol): يعمل على تقليل إنتاج حمض اليوريك عن طريق منع إنزيم أوكسيديز الزانثين (بالإنجليزية: Xanthine Oxidase)، وقد يسبب استخدامه عند كثيرٍ من المرضى سوء الهضم، والصداع، والإسهال، وغيرها. قد تحدث حساسيّة شديدة للدواء لدى نسبة قليلة جداً من الأشخاص، وتزيد احتماليّة حدوثها عند الأشخاص الذين يعانون من قصورٍ في الكلى، ومن الجدير بالذكر أنّه تجب إعادة ضبط جرعة الدواء كلّ أسبوعين إلى خمسة أسابيع، وذلك حسب مستوى حمض اليوريك في الدم.
- الفيبوكسوستات (بالإنجليزية: Febuxostat): يُعتبر بديلاً فعالاً لدواء الألوبيورينول، ويتمّ إخراجه من الجسم بشكلٍ رئيسيّ عن طريق الكبد، لذا فإنّه يمكن إعطاؤه للمرضى الذين لديهم مشاكل في الكلى دون الحاجة إلى تعديل الجرعة.
- الليسينوراد (بالإنجليزية: Lesinurad): يعمل على تثبيط ناقل اليورات المسؤول عن إعادة امتصاص حمض اليوريك من الكلى، ويتمّ إعطاؤه مع مثبطات إنزيم أوكسيديز الزانثين، وفي الحالات التي لم تستجب للعلاج بمثبطات إنزيم أوكسيديز الزانثين وحدها، ويجب التأكد من وظائف الكلى قبل البدء باستخدامه وخلال فترة العلاج بشكلٍ دوريّ.
- اليوريكيز (بالإنجليزية: Uricase): يُستخدم لعلاج حالات ارتفاع حمض اليوريك الشديدة الناتجة من العلاج الكيمائيّ في المرضى الذين يعانون من الأورام الخبيثة أو في حالات النقرس المقاومة للعلاج.
- البروبينسيد (بالإنجليزية: Probenecid): يمكن استخدامه في الحالات التي يتعارض فيها استخدام الألوبيورينول أو الفيبوكسوستات أو لا يمكن تحمّله عند المرضى الذين لديهم أمراض في الكلى، كما يمكن استخدامه مع مثبطات إنزيم أوكسيديز الزانثين في الحالات التي لا تستجيب للعلاج بمثبطات الإنزيم وحدها، أو في الحالات التي قد يسبّب استخدام مثبطات الإنزيم خطراً كبيراً.
العلاج الوقائيّ
يكون علاج النقرس الوقائي عن طريق استخدام دواء الكولشيسين أو مضادات الالتهاب غير الستيرويدية بجرعةٍ قليلة لمدة ستّة أشهرٍ، أو عن طريق إعطاء جرعة قليلة من البريدنيزون (بالإنجليزية: Prednisone) للمرضى الذين لا يمكنهم تناول الكولشيسين أو مضادات الالتهاب غير الستيرويديّة. وتعتبَر هذه الخيارات في الوقاية مهمّةً لتقليل حدوث النوبات الحادة التي من الممكن أن تحدث بسبب استخدام الألوبيورينول، والفيبوكسوستات، والبروبينسيد.