لعبت تكنولوجيا النانو، والّتي تلفظ بـ”النانوتيك“ اختصاراً، دوراً واسعاً ومهمّاً في مختلف المجالات، منها الطبيّة والصناعيّة والزّراعيّة وغيرها، فما هو النانو وتاريخه التكنولوجي وتطبيقاته.
مفهوم تقنية النانو وعلم النانو
تعتبر تقنية النانو بأنّها التقنية التي تهتمّ بدراسة معالجة المادة على المقياس الذرّي والجزيئي، لذا يتمّ تسميتها بتقنية الصّغائر، وتهتمّ هذه التقنية بابتكار تقنياتٍ ووسائل جديدة تقاس أبعادها بالنانومتر، وهو جزء من الألف من الميكرومتر أي جزء من المليون من الميليمتر. عادةً ما تتعامل تقنية النانو مع قياسات بين 0.1 إلى 100 نانومتر؛ أي تتعامل مع تجمّعاتٍ ذريّة تتراوح بين خمس ذرات إلى ألف ذرّة.
أمّا علم النانو فيعدّ واحداً من مجالات علوم المواد، ويتّصل هذا العلم مع علوم الفيزياء والهندسة الميكانيكيّة، والهندسة الحيويّة، والهندسة الكيميائيّة وتشكّل هذه العلوم تفرّعات واختصاصات فرعيّة متعدّدة ضمن هذه العلوم، وجميعها يتعلّق ببحث خواص المادّة على هذا المستوى الصغير.
تاريخ النانوتيك
لقد تمّ إدخال مصطلح التكنولوجيا النانويّة من قبل الباحث الياباني نوريو تانيغوشي عندما حاول بهذا المصطلح التّعبير عن وسائل وطرق تصنيع وعمليّات تشغيل عناصر ميكانيكيّة وكهربائيّة بدقّة ميكرويّة عالية، وكان هذا عام 1974. أمّا بوابة عالم الذرات فقد تمّ فتحها عام 1982 عن طريق الباحثين السويسريين جيرد بينيغ وهاينريش رورير؛ حيث قاما بتطوير الميكروسكوب الأكثر دقّة من أجل مراقبة الذرّات وإمكانيّة التأثير بها وإزاحتها، وبعد إنجازهما المشترك بأربع سنوات أي في عام 1986 حصلا على جائزة نوبل.
وفي عام 1991 اكتشف الباحث الياباني سوميو ليجيما الأنابيب النانويّة المؤلّفة فقط من شبكة من الذرّات الكربونيّة وبالقياس تمّ الحصول على مقاومة شدّ أعلى من مقاومة شدّ الفولاذ بعشر مرّات، وأكثر قساوة واستقراراً من الماس بمرّتين على الأقل.
ازداد الطّلب على المنتجات النانويّة؛ ففي عام 2001 بلغ معدّل الإنفاق العالمي على المجال النانويّ حوالي 54 مليار يورو، وتشير التوقّعات بأنّ هذا المبلغ سوف يتضاعف أربع مرّات حتّى عام 2010.
النانو التقني في الصناعات المختلفة
تمكّن باحثون من إدخال نانو الفضّة إلى المضادات الحيويّة، كما دخلت صناعة النانو حيّز التطبيق في مجموعة من السلع التي تستخدم نانو جزيئات الأكسيد على أنواعه: الألمنيوم والتيتانيوم وغيرها خصوصاً في مواد التّجميل والمراهم المضادة للأشعّة. فهذه النانو عبارة عن جزيئات تحجب الأشعّة فوق البنفسجيّة كلّها ويبقى المرهم في الوقت نفسه شفّافاً، وتستعمل في بعض الألبسة المضادّة للبقع. وأنشأت شركة كرافت المتخصّصة في الأغذية السّنة الماضية اتّحاد الأقسام للبحوث العلميّة لاختراع مشروبات مبرمجة.
وفي مجال صناعة السيارات تمّ استخدام طرق ومواد نانويّة جديدة في مجالات الطّلاء والتّغليف والعزل والمساهمة في تخفيف وزن السيارات، وزيادة صلابتها، وبالتّالي تخفيض مصروفها من الوقود، وهناك العديد من الأبحاث في مجال تطوير وتصنيع عجلات السيارات والّتي ستكون لها خاصيّة التلاؤم.
وقد تمّ استحداث برنامج في الولايات المتّحدة باسم مبادرة تقانة نانويّة أمريكيّة لتنسيق الجهود المتعدّدة في هذا الحقل العلمي الجديد.
تطبيقات في مجال النانو التكنولوجي
يمكن من خلال تقنية النانو صنع سفينة فضائيّة في حجم الذرّة يمكنها الإبحار في جسد الإنسان لإجراء عمليّة جراحيّة والخروج من دون جراحة. كما تتمكّن من صنع سيارة في حجم الحشرة وطائرة في حجم البعوضة، وزجاج طارد للأتربة وغير موصل للحرارة وأيضاً صناعة الأقمشة الّتي لا يخترقها الماء بالرّغم من سهولة خروج العرق منها. وقد ورد في بعض البرامج التسجيليّة أنه يمكن صناعة خلايا أقوى 200 مرّة من خلايا الدم، ويمكنك من خلالها حقن جسم الإنسان بـ 10 % من دمه بهذه الخلايا فتمكّنه من العدو لمدّة 15 دقيقة بدون تنفّس.
لقد فتحت التكنولوجيا النانويّة آفاقاً جديدة في المجال الطبي والجراحي، فهناك دراسات عديدة من أجل تطوير روبوتات نانويّة، والتي يمكن إرسالها إلى الجسد للتعرّف على الخلايا المريضة وترميمها، وكذلك للتعرّف على محرّضات الأمراض ومعالجة الأمراض المستعصية والأورام الخبيثة.
ويمكن من خلال هذه التقنية عمل قنابل نانويّة لتفجير الخلايا السرطانيّة، فقد طوّر علماء من مركز السرطان (ميموريان كيتيرنج) الأمريكي قنابل مجهريّة ذكيّة تخترق الخلايا السرطانيّة، وتفجّر من الداخل. استخدم العلماء بقيادة (ديفيد شينبيرج) التقنية النانويّة في إنتاج القنابل المنمنمة، ومن ثَمّ استخدامها في قتل الخلايا السرطانيّة في فئران المختبر، وعمل العلماء على تحرير ذرّاتٍ مشعّة من مادة (أكتينيوم 225) ترتبط بنوعٍ من الأجسام المضادّة من (قفص جزيئي)، ونجحت هذه الذرّات في اختراق الخلايا السرطانيّة، ومن ثمّ في قتلها.
كما تبيّن أنّ مادّة الذّهب تفقد خواصها اللاتفاعليّة حينما يتمّ تفتيتها إلى دقائق نانويّة، وتتحوّل إلى مادّة تفاعليّة ومحفّزة تتفاعل مع جسم الخليّة السرطانيّة، وتحدث وميضاً داخلها بينما لا تتفاعل مع الخليّة السليمة، وبالتّالي تبدو الأخيرة داكنة تحت المجهر.
وتتجمّع دقائق الذّهب النانويّة لتشكّل طبقةً مضيئةً على جسم الخليّة المريضة لتقتلها خلال دقائق بينما تتفتّت داخل الخلايا السليمة، ولا تؤثّر عليها بأيّ حال
ويشير إلى أنّ دقائق الذّهب النانويّة تتعرّف على الخلايا السرطانيّة المصابة لكنّها لا ترى الخلايا السليمة.
وتقوم مادة (النانو) الذهبيّة بامتصاص ضوء الليزر الّذي يسلّط عليها بعد وصولها إلى الخليّة المصابة، وتحوّله إلى حرارة تذيب الخليّة السرطانيّة.