ما أسباب انفصام الشخصية

انفصام الشخصيّة

انفصام الشخصيّة مُصطلحٌ مألوفٌ للكثيرين، ولكِنّه لا يُفهم عادةً بالشّكل الصحيح؛ حيثُ يطلقُ الغالبيّة من الناس مفاهيم مَغلوطةً عن هذه الحالة؛ كأن تعني بأنّ المريض يُعاني من شخصيّاتٍ مُزدوجةٍ أو مُنقسمةٍ ويتصرّف على أنّه شخصيّتين مُنفصِلتين ومُختلفتين عن بعضهما أو أكثر، أو أنّه قد يكون شَخصاً عنيفاً ومُخيفاً، وغيرها من التوقعات عن هذا المرض، وبالتالي فقد لا يُفهم بمعناه العلميّ الصحيح.

تعريف انفصام الشخصيّة

انفصام الشخصيّة أو ما يُطلق عليه “الشيزوفرينيا” هو مجموعةٌ من الأعراض النفسيّة المُتزامنة التي عادةً ما تظهر على الشخص قبل سنّ الأربعين وتؤدّي لتدهور في شخصيّته وسلوكه؛ بحيث تكون لديه طريقةٌ شاذّةٌ بالتفكير ونَظرته لما حوله، وتُسَيطر عليه الأفكار المُتشكّكة غير الواقعيّة، وتبدو عليه الانفِعالات المُتَضاربة، ويعتزلُ اجتماعيّاً، ويُبعد نفسه عن المُحيطين به.

انتشار انفصام الشخصيّة

انفصام الشخصية مرضٌ منتشرٌ وخاصّةً في الأماكن المُكتظّة بالناس، ويَكثر بين الطّبقات الأدنى من المُجتمع مقارنةً بغيرها، وهو يُصيب الذكور والإناث، وينتشر بنسبةٍ أكثر عند العُزّاب، ويظهر الفصام عادةً في سنٍ مبكرةٍ عند الرجال مُقارنةً بالنساء، وفي حين تظهر الأعراض الوجدانية أكثر عند النساء، إلا أن اضطرابات الجهاز العصبيّ والدماغ وضعف القدرة على التكيّف، وعدد مرات حدوث الانتكاسات وشدتها أكثر عند الرجال منها عند النساء.

أعراض انفصام الشخصية

هناك عدد من الأعراض التي يُعاني منها المُصاب بانفصام الشخصيّة، ومنها:

  • تغيّرٌ في طريقة التفكير والتصرّف؛ بحيث يُصبح المريضُ ذهانياً لا يُميّز الفرق بين الواقع والخيال.
  • هلوسةٌ وأوهامٌ، ويُهيّأ للمريض سماع أصواتٍ أو رؤية أشياءٍ ليسَت حقيقيّة.
  • اضطرابات التفكير وعدم القُدرة على وضع الأفكار في التسلسل الذهنيّ المُناسب، ويَظهر ذلك في حديث المريض وكلامه، فقد يقول كلماتٍ أو جمل غير مترابطةٍ معاً.
  • اضطرابات الحركة كأن يتوقّف المريض عن الحركة بشكلٍ كليٍّ لساعاتٍ طويلةٍ مثلاً.
  • تغيّر السلوكات العاطفيّة لدى المريض، وظهور علاماتٍ كالعزلة أو ما قد يبدو على أنّه اكتئابٌ.
  • عدم إظهار تعابيرٍ على الوجه كالابتسام أو الغضب.
  • عدم الرغبة في ممارسة الحياة وتأدية مُتطلّباتها كالقيام بالتسوق أو العمل.
  • عدم القدرة على الانتباه.
  • عدم القدرة على اتخاذ القرار.

أسباب انفصام الشخصية

لم يُحدّد العُلماء سَبباً بحدّ ذاته لمرض انفصام الشخصية؛ بل بحثوا وحلّلوا إلى أن استنتجوا بعض العوامل التي قد تؤدّي لحصول المرض، ومن هذه العوامل:

الوراثة

إنّ الدّراسات التي شخّصت الحالات المرضيّة أثبتت دور الاستِعداد الوراثيّ في الإصابة بهذا المرض من خلال ثلاث نواحٍ وهي:

  • البيانات الوراثيّة في شجرة العائلة: حيث إنّ وجود تاريخٍ مرضيٍّ في شجرة العائلة الصغيرة أو المُمتدّة يُعطي مؤشّراً لزيادة احتماليّة الإصابة بالمرض، غير أنّ هذه الفرضيّة ليست دقيقةً تماماً بالنسبة للعائلة المُمتدّة لصعوبة التأكّد من تاريخ الأجداد، وفي حال كانت هناك إصابةٌ فلم يؤكّدوا إن كانت إصابة فصام أم إصابةٌ أو مرضٌ من نوعٍ آخر.
  • البيانات الوراثيّة في التوائم: إنّ دراسة التوائم من الدراسات المُهمّة في إظهار دور العامل الوراثيّ وتأثيره على الإصابة بالأمراض، وقد أثبتت هذه الدراسات أنّ التوائم المُتطابقة تزيد فيها نسبة إصابةِ الشخص بانفصام الشخصيّة في حال أصيب توأمه المُتطابق بهذا المرض بنسبةٍ أعلى من التوائم غير المُتطابقة.
  • البيانات الخاصة بالتّبني: درس العلماء حالات أطفالٍ تمّ عَزلهم وتبنّيهم وإبعادهم عن والديهم المصابين بالشيزوفرينيا، ومقارنتهم مع أطفالٍ متبنّين أيضاً ولكن من والدين أصحّاء لا يُعاني أيٌّ منهما من الشيزوفرينيا، وأثبتت هذه الدراسات دور الوراثة في الإصابة بالمرض عندما وجد الباحثون أنّ من بين تسعة وثلاثين طفلاً مُتبنّين يُعاني أحد والديهم الأصليين من الشيزوفرينا هناك ثلاثة عشر منهم كبروا وأصيبوا بالمرض أو كانوا في حالة حدوديّة بين الصحّة النفسيّة والمرض، مُقارنةً بتسعةٍ وأربعين طفلاً من آباء أصحّاء أصيب منهم سبعةٌ فقط بالمرض أو أظهروا حالةً حدوديّةً بين الصحّة النفسيّة والمرض، ومع أنّ الدراسات مثل “دراسة كوبنهاجن” أثبتت أنّ نسبة انتشار المرض وراثيّاً أكبر بخمسة أضعافٍ عند مجموعة الفئات المَرضيّة مُقارنةً بمجموعة فئات السليمين والأصحّاء إلّا أنّ للعوامل البيئيّة دوراً كبيراً أيضاً لا يُمكن استبعاده.

الأسباب البيئية المحيطة

توجد مَجموعةٌ من العَوامل التي يتعرّض لها الفرد قد تؤدّي لإصابته بانفصام الشخصيّة في حال كان لديه استعدادٌ وراثيٌّ لهذا المرض، وتُقسم هذه العوامل إلى فِئاتٍ منها:

  • الجو الأسري: حيث أخذ هذا العامل مَجالاً واسعاً من الدراسة والاهتمام؛ لأنّ الإصابة بالمرض تكون في سنّ المُراهقة والشباب، والإنسان في هذه المرحلة أقرب في تَعامله مع أسرته من المُحيط الخارجيّ، وبالتالي للأسرة دورٌ في تَشكيل شخصيّته وتَفكيره، وانقسم العلماء إلى قسمين: الأوّل يَزعم أنّ الخلافات الأسرية والأجواء العائلية غير المُتّزنة قد تُسبّب المرض، والقسم الآخر أثبت أنّ بعض الإصابات تنشأ في أُسرٍ غير مُضطربةٍ وبالتالي فهو ليس مقياساً يدلّ على الإصابة، ولكن يظهر دور الأسرة جلياً بعد إصابة الفرد بالمَرَض أكثر؛ ليس كونها سَبباً ولكن كونها عاملاً أساسيّاً ومُهمّاً من عوامل الشفاء ومساعدة المريض ومساندته لتجاوز المرض.
  • العلاقة بين الطفل والأم: إنّ أثَرَ حِرمانِ الطفل من حنان الأم لاقى الكتير من الدّراسة والاهتمام، وبينما أكّد الكثيرون على أنّ اضطراب العلاقة بين الأم والطفل وفقدانه للاهتمام والحنان والرعاية التي يحتاجها من قِبَل والدته قد يؤثّر سلباً عليه ويكون عاملاً مساعداً لإصابته بانفصام الشخصيّة عندما يكبر، نقد البعض الآخر هذه الفرضيّة على اعتبار أنّ هناك حالاتٍ يُصاب بها أحد الأطفال ولا يُصاب الأخوة من الأم نفسها، وكان ردّ المؤيّدين لهذه النظرية أنّ تزامن الطفولة في وقت حصول أزمةٍ عائليّةٍ أو طلاق أو اكتئاب لدى الأم قد يؤثّر على الطفل الذي عايَش هذه الأزمات فيُصاب دون أخوته الذين لم يُزامنوا هذه الأزمات أو المراحل أو يتعايشوا معها.