العصبيّة
يتبادر إلى الأذهان سؤال مهمٌّ، ألا وهو كيف يتخلّص الشّخص العصبيّ من عصبيّته؟ يشغل هذا السّؤال تفكير الكثير من الأشخاص الذين يُعانون من العصبيّة، خاصّةً أولئك الذين يتعرّضون لِضغوط حياتيّة كبيرة، ويَشعرون أنّهم مسؤولون عن كلّ شيءٍ حولهم، أو أولئك الذين ينفعلون ويغضبون سريعاً لِمُجرّد أنّهم شعروا بتقصير من حولهم في أمور مُعيّنة.
إنّ العصبيَّة عامِل من العوامل المُدمِّرة لِحياة الفرد الصحيّة والاجتماعيّة، والاستسلامُ لها يَحرِِم الفرد من أنْ يعيش حياةً صحيّةً تَنعم بالهدوء والطّمأنينة، إلّا أنّ التغلُّب عليها ليس بالأمر المُستحيل، وهذا ما سيتمّ بيانه في هذا المقال، بالإضافة إلى ذكر كيفيّة التّعامل الأنسب مع الشّخص العصبيّ؛ لِلحدّ من عصبيّته.
الشّخص العصبيّ
الشّخص العصبيّ هو الشّخص سريع الانفعال؛ بحيث يغضب سريعاً ويَخرج عن شعوره لا إراديّاً، وهو شخص حسّاس يغضب من مواقف قد يرى البعض أنّها لا تستدعي الغضب. إنّ الشّخص العصبيّ هو شخص غير قادر على التحكّم بنفسه وضبطها، فعندما يغضب تخرج منه الكلمات دون أنْ يَشعُر وهي ما كانت لِتخرج منه وهو هادئ، والشّخص العصبيّ يُحبّ السّيطرة على من حوله بإعطائهم التعليمات، ويغضب إذا اعترض أحد على أوامره أو إذا لم تُنفَّذ تعليماته، ويرى النّاس أنّ الشّخص العصبيّ هو الذي يَخلق المُشكلات من لا شيء، وهذا ما يجعلهم يتجنبّون التعامل معه؛ خوفاً من سرعة غضبه.
كيفيّة علاج العصبيّة
بدايةً على المرء أنْ يُدرِك أنّ العصبيّة صفة سلبيّة، وإذا أراد أنْ يتخلّص منها فيجب عليه أنْ يتحلّى بِإرادة قويّة تُساعِده على ذلك، ثمّ عليه أن يُحدّد الأسباب والمشكلات التي تجعله شخصاً عصبيّاً؛ لِيصبح قادراً على التخلّص منها، وفيما يأتي بعض النّصائح التي تساعد على التخلّص من العصبيّة:
- تحديد الأهداف: يجب على المرء أنْ يُحدّد أهدافه في الحياة، ويتخلّص من الأمور التّافهة التي تؤرّق تفكيره وتشغله عن تحقيق أهدافه، وإذا شَعَر أنّه سوف يَنفعِل ويفقِد أعصابه على شيء تافه، فليُذكّر نفسه بأولويّاته والأمور المُهمّة بالنّسبة له؛ كي يُنجِزَها على أكمل وجه، وهذا ما سيجعله يَحتفظ بهدوئه أطول فترةٍ مُمكنةٍ، ويجب عليه كذلك أنْ يُفكّر في الأشخاص الذين يُحبّهم ليبتعدَ عن الضّغوط، ويَفقد إحساس الوحدة.
- لا يُوجد إنسان فائق القُدرة: ليس هناك بطل خارِق يستطيع أن يقوم بكلّ شيءٍ وحدَه، لذا يجب على المرء أنْ يتوقّف عن اعتقاده بأنّه فائِق القدرة؛ لأنّ هذا هو ما يجعله يقع تحت تأثير ضغط كبير، ويجب أيضاً أنْ يتخلّص من رغبته في السّيطرة على الأمور جميعها على حساب صِحّته.
- وقت المرء هو ملك له: يجِب على المرء أنْ يضع لنفسه جدولاً لإنجاز الأعمال، على أنْ يُعطِي نفسه وقتاً كافياً لإنجاز أعماله والوصول إلى أهدافه، وعليه ألّا يظلِم نفسه إذا حصل أمرٌ طارئ أدّى إلى تأخير إنجازه، كذلك يجب عليه أنْ يبدأ صباحه بنشاط وتناول وجبة فطور صحيّة، ويتذكّر أنّ الهدوء هو ما يَجعلُه يُحقّق أهدافه، وأنّ الانفعال لن يوصِله إلى ما يُريد.
- عدم الاستسلام بِسهولة: على المرء أن يتذّكر أنّه مهما انفعل وانفجر غاضباً فإن ذلك لنْ يُغيّر مجرى الأحداث من حوله، فعليه ألّا يستسلم للعصبيّة، وألّا يجعل غضبه يثور لأبسط الأمور.
- الابتعاد عن المُحبِطين خطوة مُهمّة: يجب على المرء أنْ يَتجنّب الجلوس مع الأشخاص المُحبِطين أو أولئك الذين يُثبّطون عزيمته، وإذا اضطرّ إلى الجلوس معهم فعليه ألا يعطيهم اهتماماً كبيراً، ولا يجعلهم يؤثّرون عليه.
- أخذ قسطٍ من الرّاحة: على المرء أنْ يُدلّل نفسه، ويسترخِيَ، ويَحصُلَ على الرّاحة الكافية، ويستجمّ من وقت إلى آخر؛ حتّى يبتعد عن ضغوط العمل والقلق والتوتُّر، ممّا سيجعله يُنهي عمله بهدوء وفي وقت مُحدَّد.
- لا فائدة من العصبيّة: يجِب على المرء أنْ يتذكّر أنّه لا فائدة من العصبيّة والانفعال المستمّر، بل على العكس من ذلك؛ فهي تُقلّل نشاطه وحيويّته، وتُسبّب له أمراضاً عديدةً.
- عدم توقُّع الكَمَال: على المرء أنْ يأخُذ الأمور بِبساطة، ولا يُعطيها أكبر من حَجمِها، ولا يتوقّع أنّ هناك شخصاً كاملاً.
- تحليل المواقِف: يجب على المرء أنْ يَجلِس مع نفسه عندما يَهدأ، ويتذكّر المواقف التي أغضبته، ويُفكّر إذا كانت تستحقّ فعلاً أنْ يَغضب من أجلِها، ويُفكّر فيما نتج منْ أضرار بسبب عصبيّته وانفعاله، وعليه أنْ يتخيّل ماذا كان سَيحدث لو أنّه تصرّف بِهدوء وحِكمة، وهذه الإجراءات ستُساعَدُه أيضاً إذا حصَلت معه مواقف مُشابهة فيما بعد.
كيفيّة التّعامل مع الشّخص العصبيّ
تُجبِر المواقف الحياتيّة الكثيرة المرءَ على التّعامل مع الأشخاص العصبيّين، لذا فإنّ الابتعاد عنهم وتفادي الجلوس معهم ليس حلّاً منطقيّاً، ولا بُدَّ من التعامل معهم بأسلوب جيّد يُخفّف حِدّة عصبيّتهم، وإذا كان على المرء أن يتعامل مع أشخاص عصبيّين فهذه بعض النّصائح التي يجب عليه اتّباعها:
- التحلّي بالصّبر عند التعامل مع شخص عصبيّ: وعليه يجب الاستماع إلى آرائه، واختيار الوقت المناسب لمناقشتها، وإذا تولّد شعور بأنّه بدأ بالغضب فالأفضل إنهاء الحوار معه أو تأجيله.
- معرفة الأسباب: فمن الأمور النّاجحة في التعامل مع الشّخص العصبيّ معرفة الأسباب التي تجعله يغضب؛ لِتفاديها، كما يجب تجنُّب استفزازه.
- عدم الكذب لِتفادي العصبيّة: حيث إنّ اعتراف المرء بذنب لم يرتكبه لتهدئة الموقف سوف يزيد الوضع سوءاً، لذا فالأفضل أن ينسحب بهدوء، ويختار الوقت المُناسب لشرح الموقف ببساطة.
- طلب المُساعَدة: إذا كان الشّخص العصبيّ شخصاً قريباً، ويُتعامَل معه باستمرار فلا بُدّ من طلب المساعدة من مُختصّ، فذلك يساعِد على فهمه، ومعرفة الطريقة المناسبة للتّعامل معه.
- التّهديد بالانفصال: إنّ تهديد المرء صديقَه أو شريكَه بالانفصال قد يكون دافعاً له للتقليل من حدّة عصبيّته، وذلك بإخباره بأنّه سينسحِب من حياته؛ للحفاظ على هدوئه النّفسيّ، فربما يكون ذلك دافعاً لِيُغيّر الشخص العصبيّ من حِدّة طباعه.
أثر العصبيّة على حياة الفرد
لا يجني الشّخص العصبيّ من عصبيّته سوى الخسارة وإصابته بالأمراض التي قد تكون مُزمِنةً؛ فقد أثبتت الدّراسات أنّ العصبيّة تُسبّب الكثير من الأمراض؛ حيث تُضعِف الجهاز المناعيّ؛ لأنّ الخلايا الليمفاويّة تكون في أدنى مستوياتها، وهذا بَِدوره يتسبّب بالعديد من الأمراض الخطيرة، مثل: السّرطان، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدّم، وتؤدي العصبيّة الزّائدة إلى حدوث خلل في الغُدّة الدّرقيّة، كما تزيد إنتاج هرمون الأدرينالين المُقاوم للإنسولين، ممّا يؤدّي إلى الإصابة بمرض السُّكر، ومن أشهر الأمراض التي تصيب الإنسان بسبب العصبيّة هو مرض القولون العصبيّ، الذي يُصاحبه حدوث خلل في وظائف الجهاز الهضميّ، إضافةً إلى ما سبق ترفع العصبيّة مُعدّل الأرق عند الشّخص، ممّا يُقلّل ساعات نومه وهدوئه.
أمّا اجتماعياً فإنّ العصبيّة تُسبّب خسارة الشّخص للنّاس من حوله، فيصبح شخصاً منبوذاً وغير مرغوب فيه، يتجنّبه الجميع، وبين الأزواج قد تؤدّي إلى الطّلاق، كما أنّها تبني حاجزاً بين الأهل والأبناء، ومن الممكن أن تؤدّي بالشّخص إلى خسارة عمله، خاصّةً إذا كان عمله من النّوع الذي يتطلّب الصّبر والهدوء، وهذا بدوره يقود الشّخص إلى أضرار نفسيّة بليغة، وقد تدفع العصبيّة الشّخص العصبيّ إلى التصرُّف بعنف، أو ارتكاب جريمة؛ حيث إنّ سرعة الانفعال تجعله يتصرّف دون وعي.