السل
يعرف مرض السل على أنه مرض جرثومي معدي، يسبب العديد من حالات الوفاة حول العالم أكثر من أي مرض آخر، كما أن عدد المصابين به حول العالم هو الأكبر والذي يقدر ببليوني شخص، وما يجعله خطيراً ويؤدي إلى الوفاة، هو أنه حين يصبح فعالاً يسبب في موت ما يقارب 60% من المرضى الذين لا يتلقون العلاج، وهذه النسبة تبلغ حوالي ثلاثة مليون شخص سنوياً، ولكن ما يدعو للطمأنينة هو وجود علاج للمرض، حيث إنّ اتباع العلاج يساعد في إنقاذ حياة 90% من المصابين بالمرض الفعال، وسنتعرض لنوعين من المرض، وهما السل الكامن والسل الفعال، وكيف يمكن تشخيص المرض في الحالتين بمعرفة أعراضهما وأسبابهما والعلاج لكل منهما.
أسباب السل
ينتج السل بسبب جرثومة تسمى المتفطرة السلية أو عصية السل، وتنتقل هذه الجرثومة من شخص لآخر عن طريق الهواء، حين يقوم أحد المرضى بالسل بالسعال أو العطاس ناقلاً هذه الجراثيم من فمه إلى الهواء، ولا تنتقل العدوى بالمرض عن طريق اللمس للأدوات والملابس وغيرها من الأشياء المحيطة بمرضى السل.
بعد إصابة الشخص بجرثومة السل فإن جهازه المناعي يسيطر على الجراثيم، لذلك تأخذ العدوى الشكل الكامن، إلا أن هذه الجراثيم تنتشر بعد فترة، وتأخذ شكل العدوى الفعالة، وعادةً لا يحدث انتقال للعدوى من شخص إلى آخر من عطسة واحدة، بل ينتقل المرض بعد ما يقارب شهر أو اثنان من مخالطة شخص سليم لآخر مريض، وذلك لأن عدد الجراثيم التي تنتقل في العطسة الواحدة أو تخرج محملة مع هواء الزفير يكون قليلاً.
العدوى الفعّالة والعدوى الكامنة
حين يتنفس الإنسان هواء ملوث بالعصيات السلية، فإن هذا الهواء ينتقل إلى الرئتين عبر القصبة الهوائية، وفي نهاية القصبة الهوائية يوجد عدد من الحويصلات الهوائية، والتي هي عبارة عن أكياس تشبه البالون يتم فيها تبادل الغازات، فيقوم الدم بأخذ الأكسجين من الهواء الواصل للحويصلات، ويخرج ثاني أكسيد الكربون إلى هواء الزفير.
تصيب الجراثيم الحويصلات الهوائية بالمرض، ويبدأ الجهاز بالمناعي وبالتحديد الكريات البيضاء بمحاربة الجراثيم، حيث إنّ وظيفتها هي محاربة الأجسام الغريبة من فيروسات وجراثيم، وتقوم بعض الخلايا الدموية البيضاء والتي تسمى البلاعم بمهاجمة جراثيم السل، وهنا يموت الكثير من الجراثيم، إلّا أنّ للجرثومة جدار يتكون من مادة تساعد على حماية الجرثومة داخل البلعم، غير أن الجهاز المناعي يقوم بفصل البلاعم المصابة بالمرض عن غيرها من البلاعم، فتتجمع البلاعم المصابة على شكل عقد رمادية قاسية وصغيرة تسمى الدرنات، وفي حالة كان الشخص المصاب بجراثيم السل يعاني من صحة ضعيفة، فإن الجراثيم تتغلب على جهازه المناعي، وكذلك هو الحال بالنسبة للدرنات وتخرج إلى الحويصلات الهوائية ومن ثم إلى الرئتين لتنتشر بعد ذلك في جميع أجزاء الجسم مسببة السل الفعال.
أما في حالة كان الشخص الذي استنشق هواءً محملاً بجراثيم السل يتمتع بجهاز مناعي قوي وصحة جيدة، فإن جهازه المناعي يستطيع بسهولة السيطرة على الجراثيم، ويبقيها في درنات لسنوات طويلة، وهو ما يعرف بالسل الكامن، وتبقى العصيات السلية على هذا الحال، فإما أن يشفى الإنسان منها تماما وهي الحالات الغالبة، أو أن تنشط من جديد حين تتراجع صحة الشخص أو يضعف جهازه المناعي، فتعود لتأخذ شكل السل الفعال.
أعراض السل
تنتقل عصيات السل من الحويصلات الهوائية عن طريق الدم لتصل جميع أجزاء الجسم، وبالطبع فهي تواجه المقاومة ويطاردها الجهاز المناعي في كل مكان، إلا أنها تنجح في قتل العديد من الخلايا المناعية، وتظهر بعض الأعراض على الشخص المصاب بالمرض، وهي أعراض أولية مثل: النحافة، والحمى، وزيادة إفراز العرق ليلاً، وعدم الرغبة في تناول الطعام.
وقد لا تظهر أي من هذه الأعراض عند بعض المصابين بالمرض، ولكن مع زيادة انتشار العصيات السلية في الجسم تتشكل ثغرات في الرئتين، والتي في بعض الأحيان تشق طريقها إلى المسالك الهوائية الكبيرة في الرئتين، وفي هذه الحالة يكون الهواء الذي يخرج مع سعال الشخص المريض محمل بعدد كبير من العصيات السلّية، وتستمر هذه العصيات بتشكيل ثغرات في الرئتين مؤدية لمزيد من التلف، كما وقد تسبب ثقوباً في الأوعية الدموية وبالتالي نزيف في الرئتين، فيخرج بعض الدم من فم المريض مصحوباً بالبلغم، ولمرض السل أعراض مختلفة تتنوع بحسب العضو المصاب، فالسل الذي يهاجم العمود الفقري يسبب آلام في الظهر وأحيانا تشوهات.
تشخيص السل
يمكن الكشف عن العدوى بالسل عن طريق الجلد باستخدام اختبار يدعى اختبار مانت، ويستطيع هذه الاختبار الوصول إلى نتيجة اصابة الشخص بالمرض أم لا بعد ما يقارب 6-8 أسابيع من دخول العصيات إلى جسد المريض، ويقوم هذا الاختبار على حقن الشخص بمادة تسمى بي بي دي تحت جلد الساعد، فإن كان الشخص مصابا بالسل تتشكل تحت الجلد بقعة حمراء بعد يومين إلى أربعة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن العدوى فعالة.
ويوجد اختبار آخر للدم يسمى كوانتي فيرون تي بي، يقوم هذا الاختبار بإظهار فيما إذا كان تعرض الشخص لعصيات السل من قبل أم لا، أمّا في حالة الرغبة في معرفة فيما إذا كان السل فعال أم لا، يقوم الطبيب بأخذ صورة أشعة لصدر المريض ليرى وجود عصيات السل إذا كانت تأخذ شكل ثغرات وكهوف في الرئتين، كما ويراقب الأعراض الظاهرة على المريض، ويأخذ عينات لبلغم المريض ويقوم بفصحها ليتعرف على النوع المحدد للجرثومة المسببة للمرض، مما يسهل عليه ايجاد الدواء الأفضل.
علاج السل
للوصول إلى نتيجة جيدة في العلاج والتخلص من عصيات السل من الجسم، لا بدّ من التعاون بين الطبيب والمريض وإعطاء المريض النصائح التي يجب عليه القيام بها لتسريع علاجه، كما ويفضل أن يبقى المريض تحت مراقبة الطبيب، ويقوم العلاج على تناول المريض أربعة أدوية خلال عدد من الأشهر، وهذه الأدوية هي: الايزونيازيد، والريفادين، والميامبوتول، والبيرازيناميد.
ولا بدّ من تناول هذه الأدوية تحت إشراف طبي، حيث إنّ لبعضها آثار جانبية على المريض وخاصة إذا ما اقترن تناول الأدوية بأدوية أخرى أو بتناول الكحول، وعادة ما يصبح الشخص المصاب بالسل غير معدي، بعد أسبوعين فما أكثر من الانتظام بالعلاج، ولا بدّ من الانتباه إلى أن عدم الانتظام في أخذ العلاج يعطي العصيات الفرصة لتصبح أكثر قوة ومقاومة للعلاج.
الوقاية من السل
وتعتبر الوقاية من المرض سهلة جداً، فاذا قام الشخص المصاب بالمرض بإغلاق أنفه وفمه عند السعال فإنه يمنع انتقال المرض للآخرين، كما أن التشخيص المبكر للمرض يساعد في اتخاذ الاجراءات اللازمة لعلاجه قبل أن يتفشى في الجسم، ويقوم الأطباء بإعطاء عقار الايزونيازيد إلى الأشخاص الذين يعانون من السل الكامن، وكذلك للذين يختلطون بأشخاص مصابين بالمرض، ولمن سافر إلى دولة ينتشر فيها السل.
لقاح السل
يعطى هذا اللقاح للأطفال الذين يعيشون في مناطق وبلدان ينتشر فيها مرض السل، وهو عبارة عن لقاح بي سي جي، يحمي الجسم من انتشار العصيات فيه، الا أنه لا يقي من الاصابة الأولية بالمرض، فيتبين مما سبق أن المرض على الرغم من خطورته، إلّا أنّ وسائل الوقاية منه وعلاجه تكون سهلة فيما إذا تم اكتشافه في أوقات مبكرة من المرض، والانتظام على تناول العلاج.