النّظافة
يُعدُّ السّلوك الجيد للأفراد عنوانَ تقدّم الأمم ومؤشِّراً حقيقياً على مدى تحضُّرها، حيثُ يُقاس تقدُّمها بقدر التزام أبنائها وتحلّيهم بالأخلاق والقيم والسّلوكات الحميدة، وتُعدُّ النّظافة أحد أهمّ السّلوكات الحميدة التي ينعكس تأثيرها بشكلٍ مُباشرٍ على حياة الأفراد، وقد أوجَب الإسلام الاهتمام بالنّظافة والالتزام بها لما لها من فوائد، بقوله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)، كما حثّ رسولنا الكريم على ذلك، فما مفهوم النّظافة الشّخصية وما أهميتها للفرد؟ هذا ما سيتناوله هذا المقال.
مفهومُ النّظافة الشخصية
تُعرّف النّظافة أو العادة الصحيّة (بالإنجليزية:Hygiene) بأنّها جملةٌ من السّلوكات والممارسات التي تتفق مع حفاظ الإنسان على صحته ومعيشته، وهو مفهومٌ متّصل بالطبّ، حيثُ تُستخدم الممارسات الصحيّة في الجانب الطبّي لتقليل نسبة الإصابة بالأمراض وانتشارها، بالإضافة لارتباط المفهومِ بالعناية الشخصيّة والمهنيّة التي ترتبط بأغلب نواحي الحياة.
تُعرّف النّظافة الشّخصية بأنّها مجموعةُ السّلوكات والعادات التي يقوم بها الإنسان بقصدِ الحفاظ على صحته ومظهره ورائحته، حيثُ تُعتبر النّظافة الشّخصيّة عِماد الصحّة، ومن العوامل المهمّة التي تبعث على احترام النّاس، كما تمنحُ الإنسان الشّعور بالحيوية والنّشاط.
أهمية النظافة الشخصية
للاهتمام بالنّظافة الشّخصية والمحافظة عليها أهميّة كبيرة، منها:
- تقي النّظافة الشخصيّة جسم الإنسان من الإصابة بأمراضٍ عديدة، كالإسهال، والتَّسمم، والجرب، والالتهاب الرئوي، والتهاب العين والجلد، ومن القمل، والكوليرا، والزّحار، وتُقلّل احتماليّة انتشار الإنفلونزا. كما تُقلِّل من نسبة انتشار الجراثيم، والميكروبات، وما تسببه من أمراض.
- تجعل مظهر الفردِ لائقاً ورائحته زكيّة، مما لا يُنفِّر الناس ولا يؤذيهم، حيثُ إنّها تُشكِّل أول انطباعٍ عن الفرد وشخصيّته وسمةً أساسية للحكم عليه من خلالها، مما يرفعُ من قيمة احترام النّاس للفرد وينشر محبته بينهم، كما تجعلُ الآخرين يشعورن بالرّاحة أثناء الوجود معه.
- تمنحُ النّظافة الشّخصية الفردَ الشّعور بالراحة والاسترخاء، كما تُشعرُه بالانتعاش خاصةً في فصل الصيف.
- تمنحُ النظافة الشّخصية للفرد حُريّة التنقّل والحركة والاقتراب من الناس حوله على نحوٍ لا يُزعجهم، بعكسِ الفرد الذي لا يُحافظ على نظافته.
- تنعكس آثار الاهتمام بالنّظافة الشخصية على صحّة الفرد النّفسية، حيثُ تحميه من أن يُصاب بالاكتئاب، والتّوتر، وتمنحه ثقةً بنفسه.
- تزيدُ قدرة الفرد على التّركيز في تنفيذ الأعمال الموكلة إليه، وإنهائها بسرعةٍ وكفاءةٍ عالية؛ لأنها تمنحُه النشاط والحيوية.
- تخفف النّظافة الشّخصية من احتمالية خروج رائحة للجسم، والتي قد تُسبب الحرج للفرد في حالات اختلاطه بالنّاس في مجتمعه.
كيفية المحافظة على النظافة الشخصية
يُعدُّ جسم الإنسان مكاناً من الممكن أن تتكاثر فيه الجراثيم والطفيليات لتسبب له فيما بعد أمراضاً كثيرةً، وأكثر هذه الأماكن عرضةً لذلك الجلد وداخل وحول الفتحات الموجودة في الجسم، ولكن تقلُّ فرص تكاثر هذه الجراثيم والطفيليات لدى الأشخاص الذين يتّبعون عاداتٍ صحيّة لنظافتهم الشخصية، ومن هذه العادات:
- الاغتسال يومياً قدر الإمكان، وعندما لا يكون ذلك ممكناً سواءً لنقصٍ في المياه أو لظروفٍ مُعيّنة، كالخروج في رحلة تخييم فإنّ السباحة أو غسل الجسم بإسفنجة رطبة أو قماشٍ مبلل بالماء يفي بالغرض. وبشكلٍ عام يجبُ الاغتسال 3 مراتٍ أسبوعياً على الأقل.
- تنظيفُ الأسنان باستمرار، وبمعدّل مرة واحدةٍ يومياً على الأقل، حيثُ يُفضَّلُ غسل الأسنان بعد تناول كلّ وجبة لتجنّب احتمالية الإصابة بأمراض اللثة والتّسوس، ومن المهمّ تنظيفها بعد وجبة الإفطار، وقبل الخلود للنوم.
- غسلُ الشّعر بسائل تنظيف الشّعر المناسب له مرّة واحدةً في الأسبوع على الأقل.
- الحرص على ارتداء ملابس نظيفة وتبديلها حال اتّساخها، وبالأخص الملابس الدّاخلية، وتعليق الملابس بعد غسلها في الشّمس لتجفّ، لأنّ أشعة الشمس تساهم بقتل بعض الجراثيم والطفيليات.
- الحرص على تنظيف اليدين قبل تناول الطّعام وبعده، وبعد استخدام المرحاض، وخلال ممارسة الأنشطة اليومية الطبيعية كاللعب والعمل.
- صرفُ الوجه بعيداً عن الآخرين، وتغطية الأنف والفم عند العُطاس أو السّعال، لمنع انتشار رذاذ السائل الذي يحتوي على الجراثيم إلى النّاس مسببّاً لهم العدوى.
نظرة الإسلام للنظافة
دعاء الإسلام إلى الطّهارة والاعتناء بالنظافة، وعدّها أساساً من أسسه بل فريضةً يجبُ اتِّباعها، كما عدّها شرطاً لأكبر العبادات وأكبر الفرائض وهي الصّلاة، وقد أمر الله نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلّم- بالمداومة على قول الله أكبر، وأتبع ذلك بالأمر بالتّطهّر في قوله تعالى: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ*وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) كما تُعدّ النّظافة والطّهارة من الأخلاق الكريمة والعادات السامية في الإسلام، حيثُ جعلَ الّنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الطّهارة شطرٌ للإيمان، فقال: (الطُّهورُ شَطرُ الإيمان)
ودعا الإسلام المسلمين إلى العناية الحثيثة بطهارتهم ونظافتهم الشّخصية عند أداء الصّلاة وفي مختلف الأحوال، وبيّن كيفيتها، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
ولم يتوقّف الإسلام عند ذلك، بل ارتقى بقيمة النّظافة وأهمّيتها لمراتب أعلى، حيثُ عدّها صفةً ينالُ بها المسلم محبّة الله تعالى، قال تعالى: (…إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، كما قال تعالى: (…وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ).