الذكاء
اتّسع مفهوم الذّكاء بشكل واضح خلال العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، إذ لم يعد المفهوم محصوراً في إمكانيّات الفرد وقدراته الدراسيّة وتحصيله العلمي؛ بل إنّ المفهوم توضَّح بصورةٍ تبرز مجالاتٍ جديدةً ومظاهر كانت مهملةً في حساب الذّكاء ومقاييسه، ليتعدّى ذلك المفهوم المجرّد تصنيفه الأحاديّ إلى تصنيفاتٍ جديدة ومظاهر تتمثّل بالمهارات الاجتماعيّة، والانفعاليّة، والثّقافيّة، وغيرها، وتتّسم البحوث الحديثة في الذّكاء ومقاييسه بكونها حصرته بثلاثة جوانب رئيسة، أوّلها شموليّة المفهوم واتّساعه، إذ يناقش هذا الجانب تعريفات الذّكاء ومضامينه ومحفّزاته كسلوك، كما يسعى هذا الجانب إلى الوصول إلى فهمٍ واضحٍ لأسس الذّكاء وقاعدته البيولوجيّة، والعوامل المؤثّرة فيه كالعوامل الثّقافيّة على وجه الخصوص.
أمّا الجانب الثّاني فإنّه يبحث ديناميّة الذّكاء وتطوّره، ليثبت مرونة المفهوم، وقابليّته للزّيادة والنّقصان بحسب تعاطي الفرد مع المؤثّرات والمتغيّرات، إذ لم يعد نموّ الذكاء وتشبّعه خاصاً بالفئة العمريّة الحديثة الممتدّة من الطّفولة حتّى انقضاء المراهقة كما هو مزعومٌ في المقاييس القديمة، بل إنّ المصطلح الحديث يعتمد تقييماتٍ جديدةً أكثر تطوّراً، تُبنى على ما هو ممكنٌ من التفاعلات بين الفرد وبيئته وإمكاناته ومهاراته المكتسبة بالتعلّم والتّدريب، ويسوّق الجانب الثّالث مفهوم الذّكاء كتفاعلٍ بينيّ ليلحقه بشتّى العلوم والدّراسات والمعارف، إذ لا تقتصر أهميّة الذّكاء حديثاً على العاملين بعلم النّفس، بل إنّ المفهوم تعالى بين العلوم ليتمحور في شبكاتٍ عديدةٍ تهتمّ بتشكيله الجديد وصيغته التّوافقيّة.
حقيقة مفهوم الذكاء
يشير مفهوم الذّكاء بصورةٍ عامّةٍ إلى السّمات المعرفيّة والقدرات العامّة التي يمتلكها الفرد، ويستطيع توظيفها في تحقيق غرضٍ معيّن مع ما يرافق ذلك من مهارات التّفكير المنطقيّة، وتفاعلات الفرد مع بيئته بصورةٍ فعّالة، ولا يمكن حقيقةً ملاحظة الذّكاء بصورةٍ مباشرةٍ، إنّما يمكن معاينة بعض الأفعال والأفكار والكلمات والسّلوكات التي تمثّل فعاليّةً مرتفعةً في الدّلالة على تحقّق الذّكاء وامتلاك المهارة، فالمصطلح بصورةٍ عامّةٍ يتّسم بالغموض؛ إذ هو تكوينٌ يساعد الأفراد على تفسير السّلوكات، وحلّ المشكلات، ولا يظهر بالملاحظة المباشرة.
كيف أنمي ذكاء طفلي
يتنوّع الذّكاء ويتصوّر بأصنافٍ عديدةٍ، قد يظهر أحدها عند فردٍ من أفراد الأسرة ولا يظهر عند غيره، فيما يمتلك الآخرون أنواعاً أخرى من الذّكاءات بما يجعل الأفراد جميعهم أذكياء بمواقف وأماكن وأزمنةٍ مختلفةٍ، ويظهر ذكاء الأطفال بامتلاكهم قدراتٍ معيّنةٍ تنعكس في تعاملاتهم ومهاراتهم في تحليل المعلومات، واكتساب المعارف، وحلّ المشكلات، وفهم المواقف، وتحليلها، كما يظهر ذكاء الطّفل بسلوكاته وتصرّفاته اليوميّة، وتعاطيه مع البيئات التّعليميّة، وانعكاساتها في شخصيّته. ويتحصّل الذّكاء عند الطّفل بالوراثة التي يكتسبها من والديه أولاً، ثمّ يُنمّى أو يتأخّر بتفاعل البيئة التي يعيشها الطّفل مع استعداده الوراثي، لينتج عن ذلك تقدّم وتزايد في معدّلات الذّكاء التي يمتلكها الطّفل إذا ما اقترنت الوراثة بالرّعاية والتّدريب؛ أو تأخّر وفتور إذا ما غابت الرّعاية واتّسمت البيئة بالفتور والخمول، والجدير ذكره أنّ تأثير البيئة المحيطة يضعف مع تقدّم الفرد بالعمر.
ويمكن الاستدال على ذكاء الطّفل بمراقبة نشاطاته وسلوكاته ومعاينتها، إذ يُستدلّ على ذكاء الأطفال بمؤشّراتٍ سلوكيّةٍ عامّةٍ تتمثّل بالمجمل بالسّعادة والفضول والاستمتاع باللعب، وتفيد هذه المؤشّرات في تشخيص حالة الطّفل وتمييزه، ليصار إلى تقييم ذكاء الطّفل وقياسه إذا ما أظهرت سلوكاته انحرافاً ملموساً إيجابياً أو سلبياً، ويعتمد في ذلك على اختبارات ومقاييس الذّكاء المعدّة بعنايةٍ فائقةٍ وطرائق علميّة، ويمكن تنمية ذكاء الطفل عبر مراعاة احتياجاته الغذائيّة وحاجات دماغه المعرفيّة والمهاريّة، وفيما يلي بعض الطّرق المفيدة في تنمية ذكاء الأطفال:
- قراءة قصّةٍ أو موضوعٍ يفيد الطّفل ويثري عقله يومياً قبل نومه.
- تشجيع اهتمامات الطّفل ورعايتها واحترام فضوله وإشباعه.
- التعرّف إلى شخصيّة الطّفل وتفكيره وما يشغله ويستثير انتباهه ويسترعي دوافعه.
- محاولة التعرّف إلى الآليات والاستراتيجيات المناسبة لتعليمه والملائمة لنمط تفكيره وقدراته.
- حثّ الطّفل وتشجيعه لتعلّم إحدى المهارات الفنيّة أو الموسيقيّة أو الألعاب التفاعليّة.
- إشراك الطّفل في النّقاشات والحوارات المنزليّة والأسريّة المهمّة والملائمة لتفكيره، والسّماح له بمتابعة الحوارات الأبويّة البنّاءة والهادفة، والمواضيع التربوية والعلميّة.
- يعتبر قضاء فتراتٍ طويلةٍ مع الأبناء محفّزاً مهمّاً ومعزّزاً لتنمية ذكاء الأطفال وتقويته؛ إذ يسهم قرب الوالدين من أطفالهم ومجالستهم لهم في تقوية الرّابطة العاطفيّة عند الطّفل وإشباعها، وتنمية النّمو الدّماغي وتحسينه.
- حثّ الطّفل على ممارسة الرّياضة وانتظامها، ومنحه مساحةً كافيةً للتّعبير عن شخصيّته واكتشافها عبر الألعاب الحرّة والبنّاءة، ومساعدته على التعلّم التفاعليّ المؤثّر ومعالجة المواقف واستكشافها وتبادل الأفكار وسبرها.
- تنشئة الطّفل تنشئةً مستقلّةً عن تصوّرات الأبوين ونظرتهم وتطلّعاتهم نحو مستقبل طفلهم وما يريدون له أن يكون، والاعتماد في ذلك على توجّهات الطّفل وحبّه وإتقانه، مع ملازمة تبصيره وإرشاده وإطلاعه على ما يحتاج لبناء ذاته، وتوفير الإمكانات التي تشعره بحاجته إلى التعلّم وحبّه له.
- مشاركته الألعاب الذّهنيّة والمهاريّة التي تسهم في إنضاج مخيّلته وتوسيع مداركه، كألعاب المقارنة وتبادل الأدوار والتّفريق وغيرها.
- انتقاء المدرسة أو الرّوضة التي سيلتحق بها الطّفل في دراسته؛ إذ يقع عاتق سعادة الطّفل وأمنه الدّراسي على المدرسة وبيئتها التعليميّة، والمطلوب من هذه المؤسسة مراعاة النّشاطات التعلّميّة المعتمدة على اللعب والتّفاعل، وإكساب الطّفل ثقةً ذاتيّةً وأماناً وسعادة، حتّى يرغب التّعليم ويألفه، ولا يكون عليه أمراً ثقيلاً ومملاً.
- إظهار الاهتمام بالطّفل ومهاراته وإبداعاته، وتعزيز قدراته القياديّة ودعمها.
- تشجيع الطّفل وتحفيزه لتعلّم القرآن الكريم وحفظه وتدبّره وفهم آياته وتفسيرها، وإدراك إشاراته ورسائله والتفكّر فيها، حيث إنّ القرآن الكريم يشير إلى الخلق والعلوم فإنّه يحفّز الدّماغ على التطوّر والنّمو والتّنشيط، ما ينعكس إيجاباً على قدرات الطّفل وذكائه.