فرط النّشاط
إنّ حركة الطفل ترتبط ارتباطاً مُباشراً بسلامة النموّ، ولكنّ كثرة حركة الطّفل لا تعني بالضّرورة أن تكون لديه مُشكلة مَرضيّة، إلّا إن زادت هذه المُشكلة عن الحدّ الطبيعيّ، وأصبح الطفل غير قادر على ضبط تصرّفاته، فهنا يجب البدء بالبحث عن حلول. ويُعدّ التّعامل مع الطفل كثير الحركة تحدّياً كبيراً للوالدين؛ لأنّه أمر مُرهِق، وقد يكون مُحرِجاً أيضاً، وقد تتفاقم المشكلة ليصل الأمر إلى عدم تقبُّل المدرسة لمثل هؤلاء الأطفال، ولكن يجب التّمييز بين نشاط الطفل الطبيعيّ والنّشاط الزّائد، وهل كلُّ طفلٍ كثير الحركة هو مُصابٌ بما يُسمّى بفرط النشاط أم لا، هذا ما سيتمّ توضيحه في هذا المقال، مع عرض أسباب هذه المشكلة وحلولها.
تعريف فرط النّشاط
اضطراب نقص الانتباه وفرط النّشاط أو ما يُعرَف بـ (ADHD) هو من أحد الاضطرابات المعقّدة التي تؤثّر على التّحصيل الدراسيّ للطفل، وعلى علاقاته في سنّ المدرسة، يُشخّص هذا الاضطراب لدى الأطفال عادةً في عمر السّابعة، عن طريق معايير محدّدةٍ.
تحديد إصابة الطفل بفرط النّشاط
تبدأ علامات فرط النّشاط بالظهور على الطفل في سنٍّ مبكرٍ، وقد لا ينتبه الوالدان لذلك، ويعتبرانه أمراً طبيعيّاً، وعند وصوله مرحلة المدرسة تتطوّر المشكلة، ولكنّ الأطفال قد يكونون كثيري الحركة أو مختلفين عن أقرانهم دون أن يكون السّبب هو فرط النّشاط والحركة، وما يحدّد ذلك هو أن تكون مظاهر الحركة الزّائدة مستمرّةً دائماً، وفي أيّ مكانٍ يذهب إليه الطفل؛ سواءً البيت، أو المدرسة، أو غيرها، ولا يُظهِر الطفل هذه التصرّفات في بيئة محدّدة وحسب، كما يجب أن تظهر عليه سلوكيّات الحركة الزّائدة لمدّةٍ لا تقلّ عن ستّة أشهر قبل أن يُشخَّص على أنّه طفل يعاني من فرط النشاط.
علامات فرط النّشاط
هناك مظاهر وعلامات يتميّز بها الطّفل الذي يعاني من فرط النّشاط، وهي:
- السّلوك المتمركز على الذّات؛ حيثُ لا يهتمّ الطفل بمعرفة شعور الآخرين أو رغباتهم، فيقاطع حديثهم باستمرارٍ، ولا يستطيع الالتزام بالدّور، وليست لديه مهارات تواصلٍ ولعبٍ مع أقرانه.
- الاضطراب العاطفيّ؛ حيث يعاني الطّفل في التعامل مع مشاعره وعواطفه، ويعاني من نوبات من الغضب في المواقف والأماكن غير المناسبة.
- التّململ، وعدم القدرة على الجلوس على الكرسيّ بهدوءٍ ودون حِراك، فيحاول الطّفل أن يتحرّك وهو جالسٌ، أو ينزل عن مكانه ويركض، أو يرفض أو يعاند الجلوس على الكرسيّ.
- عدم إتمام المهامّ التي يقوم بها أيّاً كان نوع ما يُطلَب منه؛ فترى الطفل مثلاً يبدأ بالواجبات المدرسيّة، ثمّ يتركها، ويقوم بعمل آخر.
- قلّة التّركيز والانتباه؛ حيث لو حاول أحدٌ التحدّث مع الطفل مباشرةً وطلب مهمّةٍ معيّنةٍ منه، وسؤاله عمّا إذا كان يفهم ما يُطلَب، فسيقول: نعم، ولكنّه قد لا يستطيع تكرار ما قيل له إذا طُلب منه ذلك.
- كثرة الأخطاء التي يرتكبها الطفل بها؛ ويعود ذلك إلى عدم قدرته على التّخطيط أو التّنفيذ، وليس لأنّه مُهمِلٌ أو لديه مستوى ذكاءٍ متدنٍّ، ممّا قد يجعله مهملاً دون قصدٍ.
- ظهور علامات الشُّرود والسّهو على الطفل في حالاتٍ معيّنة، وكثرة أحلام اليقظة عنده، وكأنّ له عالماً خاصّاً لا يبالي بما يحصل خارجه.
أسباب فرط النّشاط
هناك عددٌ من العوامل التي بيّنتها الدّراسات العلميّة، والتي قد تكون من أسباب فرط النّشاط وتشتُّت الانتباه، وهذه العوامل هي:
- العوامل الجينيّة: أثبتت الدّراسات أنّ وجود تاريخٍ عائليٍّ لدى أحد الأبوين أو كليهما، يزيد احتماليّة إصابة الأبناء بهذه المشكلة.
- العوامل العضويّة: أوضحت الدّراسات أنّ الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة، لديهم اضطرابات في تخطيط الدّماغ تفوق الأطفال العاديّين، وذكر بعض العلماء أنّ سبب النّشاط الزائد هو تلفٌ دماغيٌّ بسيطٌ، ولكن لم تُقدِّم الأبحاث أدلّةً فعليّةً على ذلك.
- العوامل النفسيّة: مثل الضّغوط النفسيّة التي يتعرّض لها الطفل أثناء نمّوه، ومنها: المشاكل الأسريّة، وأنماط التّنشئة والتّربية الخاطئة.
- العوامل البيئيّة: مثل التعرّض إلى التسمّم، وردّات الفعل التحسُّسيّة لبعض أنواع الأطعمة والمواد الصناعيّة.
كيفيّة التعامل مع الطّفل كثير الحركة
هناك أساليب عدّةٌ من الممكن أن تساعد على تنظيم أداء الطّفل الذي يعاني من فرط النّشاط، من الأمثلة عليها:
- اختيار الأدوات والألعاب والوسائل التعليميّة المناسبة لحالة الطّفل.
- وضع الطالب في بيئةٍ هادئةٍ، تخلو من المثيرات ومصادر الإلهاء، فلا يكون فيها ألوانٌ كثيرةٌ، أو رسوماتٌ، أو ألعابٌ، وما إلى ذلك.
- اختيار صديقٍ للدّراسة مع الطّفل؛ فأحياناً من السّهل على الطفل أن يؤدّي واجباته المدرسيّة إن ساعده طفل من أقرانه في ذلك.
- استخدام دفاتر المذكّرات؛ ليعرف الطّالب المهامّ التي عليه، والوقت الذي يحتاجه للدّراسة، وأنّ عليه أن ينظّم وقت اللّعب مع الدّراسة، ويجب تذكير الطفل باستمرارٍ بمراقبة الوقت؛ حيث يعاني الأطفال المصابون بفرط النّشاط من أنّهم يشعرون بمُضيِّ الوقت بسرعةٍ.
- كسر المهمّات باستراحةٍ؛ فمن الصّعب جدّاً على الطفل الذي يعاني من فرط النّشاط أن يجلس ساعاتٍ ليَحُلّ الواجبات المدرسيّة، لذلك يجب إعطاؤه استراحةً، فمثلاً بعد كلّ عشرين دقيقةً من الدّراسة تُؤخَذ عشر دقائق للاستراحة.
- إبقاء الطفل مُنظَّماً، وترتيب الأشياء بسهولةٍ؛ حتّى يحصل عليها، ومن أمثلة ذلك: وضع الكتاب والكرّاسة الخاصّة به وأوراق العمل معاً، والعمل بالآليّة نفسها عند تدريس الطّفل؛ لكي يسهُلَ عليه إنجاز واجباته.
- التّنويع في استخدام الوسائل التعليميّة حسب عمر الطّفل، مثل: حلّ أوراق العمل عن طريق الكمبيوتر، أو استخدام الإنترنت لقراءة الكتب بدلاً من الكتب الورقيّة.
- التّعزيز النفسيّ، وتقديم الدّعم للطفل، وعدم السّماح للخبرات السلبيّة أو السيّئة بإحباط الطّفل تجاه المدرسة، بل محاولة جعله واثقاً من نفسه، وتعزيز أدائه الجيّد باستمرارٍ.
- تقديم الجوائز للطّفل مباشرةً بعد تأدية المهامّ التي تُطلَب منه، فمثلاً بعد جلوسه لإتمام واجباته، يُسمح له بالذّهاب إلى الحديقة للّعب، أو لَعِب لُعبتَه المفضَّلة أثناء الاستراحة.
طرق علاج فرط النّشاط وتشتُّت الانتباه
هناك طرق عدّة تُستخدَم للعلاج، وتكون فعّالةً أكثر لو استُخدِمت أكثر من طريقة معها ليكون العلاج مُتكامِلاً، ومنها:
- العلاج السلوكيّ: يعتمد هذا النّوع من العلاج على طرقٍ مختلفةٍ لتعديل سلوك الطّفل وتحسين أدائه، ومن هذه الطّرق:
- التنظيم الذاتيّ: يتمّ ذلك دون تدخُّلٍ علاجيٍّ خارجيٍّ، ويشمل الملاحظة والمتابعة الذاتيّة؛ حيث يُعلَّم الطّفل أن يضبط نفسه في ظروفٍ معيّنةٍ، ثمّ يُعمَّم هذا الضّبط على المواقف المُشابِهة، فينتبه لنفسه وتصرُّفاته، ويُكافَئ عندما يتصرّف بطريقةٍ جيّدةٍ بمكافأةٍ يُحبّها، وتحفزّه على الاستمرار في تحسين الأداء.
- التعزيز الرمزيّ: يعني استخدامَ رموزٍ ماديّةٍ معيّنةٍ، مثل وضع لوحةٍ عليها خانة الأعمال الجيّدة؛ حيث تُلصَق في الخانة نجمةٌ لكلّ عملٍ جيّدٍ، ومع كلّ عشر نجماتٍ يجمعها يستطيع أن يطلب ما يُريد، وقد أثبت هذا الأسلوب فعاليّةً في علاج فرط الحركة وتشتُّت الانتباه.
- الاسترخاء: يُدرّب الطفل على أن يهدِّئ نفسه عن طريق تخيُّل أشياء مريحة، أو قد يُستعمَل الاسترخاء العضليّ بالتّدليك مثلا؛ لتهدئة الأطفال.
- التّعاقد السلوكيّ: حيث يتعاقد الأهل أو المعلّم مع الطّفل بعقدٍ مكتوبٍِ، يتّفق الطّرفان على بنوده، ويجب أن يكون عادلاً وإيجابيّاً وواضحاً، يؤدّي فيه الطّفل الواجب المطلوب، وبالمقابل يحصل على الهديّة المُتَّفق عليها في العقد.
- العلاج النفسيّ: قد تنشأ عند الطّفل أو المُراهِق مشكلات نفسيّة أو مشكلات في علاقاته الاجتماعيّة؛ بسبب فرط النّشاط، ويُساعد العلاج النفسيّ الطّفل على تخطّي هذه المشكلات.
- العلاج بالتّغذية: يتركّز العلاج على تغيير النّمط الغذائيّ للطفل؛ وذلك بمنع الموادّ المُشبَعة بالألوان الصناعيّة والمُنكّهات الكيميائيّة والموادّ الحافظة، وتوجيه الطفل إلى تناول الطعام المفيد من الخضار، والفواكه، واللّحوم البيضاء، والأسماك، إضافةً إلى عسل النّحل وضرورة دمجه في غذائه اليوميّ؛ لدوره في تخفيف هذا الاضطراب.
- العلاج بالأدوية: تُعدّ الأدوية المُهدِّئة من العلاجات الدوائيّة الأوسع انتشاراً لمعالجة اضطراب فرط الحركة؛ فهي تحسّن الأعراض الأساسيّة المُصاحِبة لهذا الاضطراب، ولكن من عيوبها أنّ مفعولها يدوم لوقتٍ قصيرٍ، كما يمكن أن يُصاب الطّفل بأضرار جانبيّةٍ جرّاء استخدام هذه الأدوية.