دور الأم في تربية الأبناء

دور الأم في تربية الأبناء
دور الأم في تربية الأبناء

الأمّ

الأم مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعباً طيب الأعراق.

للأم مكانة عظيمة سواءً في الاعتبارات الاجتماعيّة أو الدينيّة فقد جعل الله برّها ووصلها بالحسنى فوق جميع الروابط الإنسانيّة فهي أساس المجتمع، وهي صاحبة الدور الأعمق في بناء جيل المستقبل، فتستقبل وليدها من لحظة علمها بوجوده بالحبّ، وتحسّ نحوه بالمسؤولية منذ خروجه إلى الحياة، يبقى ملتصقاً بها فتمنحه الدفء والحنان، وتجد أنّ التربية ليست بالمهمة السهلة فتجتاز بعض صعوباتها وتتعثر في أخرى.

يصف الماوردي رحمه الله الأم مع أولادها فيقول: “والأمهات أكثر إشفاقاً، وأوفر حبّاً، لما باشرن من الولادة، وعانين من التربية، فإنهنّ أرقّ قلوباً، وألين نفوساً.

دور الأم في تربية الأبناء

يمكن أن نلخّص دور الأم في تربية أبنائها في ثلاث محاور رئيسيّة، هي: الأسرة وتأثيرها، والأم نفسها ثقافتها وخلفيتها ونفسيتها، ونورد بعض التوجيهات المهمّة لتربية الأبناء في المراحل الأولى من العمر:

الأم في الأسرة

الأم هي الفرد الأكثر أهمية في الأسرة بالنسبة لتربية الطفل والأم هي المدرّسة والمربيّة التي تنشئ الأجيال الصاعدة، فإن صلحت الأمّ صلح المجتمع، وتأخذ الأم النصيب الأكبر في تربية الأولاد، وذلك بسبب أنّ الأب يغيب عن المنزل لساعات طويلة من النهار، فتكون هي الأكثر مقابلة للأطفال، ونلاحظ بأنّ ارتباط الأطفال بأمهم أكبر من ارتباطهم بأبيهم، وذلك لأنّ الأم هي مصدر الحنان.

رغم أنّ الأم مهيّئة جسديّاً لتحمل أعباء الولادة والأمومة والحضانة إلا أنّ دور الأمومة لا يقتصر على منح الأبناء الغذاء المناسب واللباس المرتب والرعاية، حيث إنّ أولى مهام الأم في التربية هي إعطاء الطفل الحنان الذي يحتاجه، حيث إنّ أهم الأمور التي يحتاجها الطفل هي الحنان، فإنّ فقد الحنان يسبّب الكثير من المشاكل والمتاعب للطفل، ونرى الكثير من الأطفال يتّجهون للسلوك الخاطئ بسبب فقرهم للحنان، ولن نقول حبّ الأم لأبنائها؛ لأنّ الحبّ فطرة، ولكن الحرص على التعبير بالقدر المناسب، ومنح الحنان قد تغفل عنه بعض الأمهات.

على الأم أن تكون هي القطب الذي يثبت القيم في المنزل فلابدّ أن تدرك قيمة الثبات على الأخلاق، وخلق حالة من النظام في البيت وأن تعبّر لأبنائها بالطرق التي تناسب أعمارهم عن أهمية الاحترام، والتعاون، والصدق وكلّ القيم الاجتماعية والدينيّة، ويمكنها أن تتخذ من مواقفها ومواقفهم مادّة للتوجيه المحبّب، وكذلك يمكنها سرد القصص الثراثية أو المشهورة التي تزرع القيمة، فيخرج الابن من أسرته بقدرة ولو بسيطة على التمييز بين الصواب والخطأ، والحكم على المواقف من منظور أسرته، وليس على الأم أن تقلق كثيراً من قدرته على الاكتساب في هذه المرحلة بقدر ما عليها أن تكون حذرة، فهو يكتسب بسرعة الجيّد والسيئ على السواء.

الأم مربية

يبدأ مشوار التربية منذ حمل الأم بطفلها حيث إنّ ما يحيط بالطفل يؤثر فيه كما أثبتت الدراسات العلميّة، فمن ناحية مادية غذاء الأم يصل إلى جنينها ويؤثر على صحّته ونمّوه، وهو أيضاً يمتلك حاسة السمع في شهور الحمل المبكرة، لذا فهو يستمع إلى الأصوات ويتذكّرها، وغيرها من الحواس تعمل لدى الجنين بالتدريج مع نموّه فيبدأ بالاكتساب من خلالها، فعلى الأم أن تتقبّل فكرة أنّه إنسان متكامل وسريع الاكتساب أكثر من أيّ مرحلة أخرى، فتنمّي أحاسيسه هذه بما يناسب مبادئها.

من ناحية أخرى الحالة المعنويّة للأم تؤثر على الطفل فالانفعالات العاطفيّة للأم كما تقول اختصاصيّة التوليد تريز رمزي تؤثر على الجهاز العصبي للأمّ وبالتالي على نموّ الطفل، فمادة الإدرينالين تمرّ إلى الطفل من خلال المشيمة، وقد يتّخذ تأثيرها عليه شكل زيادة الحركة، وقد تؤثر العصبية على الأم نفسها فتمنعها من الأكل فيؤثر ذلك على الجنين بشكل مباشر.

لتستعدّ الأمّ في هذه المرحلة للمراحل القادمة وتكون بنفسية جيّدة عليها أن تتحلّى بالإيمان بالقدر والتوكّل، فتقبّلها أو فرحها بالإنجاب مؤثر على جنينها ومؤثّر على سلوكها، ويمكنها أن تبدأ بالتثقّف حول التربية ومبادئها وتكتسب المعرفة عن مراحل الطفولة وسماتها لتجيد التعامل مع طفلها، حيث إنّ الطفولة مراحل سريعة التغيير وسماتها مختلفة، ولكلّ مرحلة أساليب تعامل تعليم تناسبها، فعلى الأم أن تتحرّر من عادات التربية السيّئة التي قد تكون سائدة في مجتمعها، وتستعد لاستبدالها بالمعرفة المستندة إلى العلم، حيث إنّ صناعة الإنسان ليست بالمهمة التي يمكن أن تُنجز بالاستناد فقط إلى العادات والتقاليد، وإن كانت لا تخلو من الجيّد منها، وأن تجعل دافعها إلى ذلك هو ذلك الحبّ الصادق في داخلها تجاه الطفل القادم. ،

قواعد عامّة في تربية الأم لأبنائها

  • التواصل: على الأم أن لا تتهرب أو تنشغل عن التواصل اليوميّ والدائم مع أبنائها في جميع مراحلهم العمرية، فإنّ أول تحديات هذا العصر هو غياب الأم الذي أضيف إلى غياب الأب مسبقاً، فكيف تتصور الأسرة نشاة الابن في غياب التواصل مع مصدر التعلم والحبّ والتعليم الأول وهو الأسرة والأم، وفي هذا الشأن يمكّن للأم سؤال أبنائها عن يومهم المدرسيّ أو عما شاهدوه في طريقهم إلى شراء حاجياتهم حتى يعتادوا على إخبارها فيمنحها ذلك الفرصة لتوجيههم، ومساعدتهم في حال تعرّضوا لمشكلات لا يستطيعون حلّها بأنفسهم، ولأنّ التواصل حاجة إنسانية بالمرتبة الأولى.
  • التعزيز: التعزيز هو مدح السلوك الجيّد أو مقابلته بعطاء ماديّ أو سلوك إيجابيّ والإنسان عموماً كبيراً كان أو صغيراً يحبّ التعزيز، ولكن بالنسبة للأطفال على الأم أن تبثّ البهجة، والألوان، والتفاعل الصوتيّ والحركيّ في أساليب تعزيزها، ويمكنها اللجوء للمكافأة المادية باعتدال. وعند ذكر التعزيز تذكر العقوبة فيجدر التنبيه إلى أنّه على الأم إذا لجأت للعقاب أن تتجنّب إهانة طفلها سواء أمام الآخرين أو وحده، حيث إنّ الإهانة تسبّب اضطراباً في شخصية الطفل، والإحساس بقلّة الثقة بالنفس، وقد تجعله خجولاً ولا يحبّ الاختلاط بالآخرين، الأمر الذي يعمل على تدمير شخصية الطفل.
  • التوافق بين الوالدين: الاستقرار الأسريّ من أكثر المؤثرات على الأبناء حيث إنّ أوّل علاقة يتفتح عليها الطفل هي علاقة أمه بأبيه، وهو كذلك كطفل أو كمراهق يستمدّ استقراره وإحساسه بالأمان من إحساس أمّه بالأمان، وكذلك فإنّ الاستقرار الأسري يدعم الثبات في التربية حيث لا تتضارب أقوال الأم والأب ومواقفهم فتضطرب القيمة عند الابن.

نبذة عن التربية في الطفولة المبكّرة

هنا نورد بعض سمات الطفولة المبكرة وكيفيّة التعامل معها، حيث إنّ الأمهات عموماً لا يبذلن الكثير من الاهتمام في هذه المرحلة ظناً منهنّ أنّ التعليم يبدأ في سنّ المدرسة:

  • يتّسم الطفل في مرحلة الطفولة المبكّرة بحبّ الاكتشاف، وعلى الأم أن تقابل ذلك بمحاولتها قدر الإمكان إشباع فضوله، والإجابة عن أسئلته بصدق وبساطة، واحترام سؤاله وشخصيته الميّالة للمعرفة، وهذا لا يغني عن وضع بعض القواعد لذلك كأن تعلّمه الوقت المناسب للسؤال، وتعلّمه احترام خصوصية الآخرين.
  • يميل الطفل إلى تحمّل المسؤولية ويمكن للأم أن تبدأ بتسليمه بعض المهمّات اليوميّة بكلمات واضحة وقليلة ومفهومة وتتابع تنفيذه لها.
  • يميل الطفل إلى اللعب: على الأم أن تخصص وقتاً لمشاركة الطفل لعبه للتعرّف إلى عاداته السلوكيّة وتعزيز الجيّد منها، ويمكن للأم استغلال وقت اللعب مع الطفل لتعليمه النظام والقيم وتطوير المهارات الحركية والإدراكيّة.

بعد هذه السنوات تكون الأم قد هيأتهم لدخول المدرسة من أجل التعلّم الأكاديميّ، ويمكنها البدء بتعليم الصلاة، وقبلها الطهارة، وإكسابة المعرفة الدينيّة، خصوصاً إن بادر بالسؤال عنها ويمكنها قبل ذلك أن تحفظ طفلها بعض السور القرآنيّة، من أجل أن يكبر الطفل على حبّ الدين الإسلاميّ، والانتماء له، وعلى حبّ القرآن الكريم.