طبيعة النّمو الإنساني
يبدأ تكوين الإنسان الجسمانيّ منذ لحظات التقاء الجاميت الذكريّ بالجاميت الأنثوي في رحم الأم، ويسلك مساراً من التغيّرات التي تؤهله ليكون إنساناً سويّ الخلقة يمارس كافّة نشاطاته الجسميّة والعقليّة بيسر وسهولة، ومع خروجه إلى الحياة طفلاً يخضع لتغيّرات مطّردة تنشئه النشأة المتغيّرة تبعاً لمراحله العمريّة والعقليّة، فتكون حالته الاستاتيكيّة مستمرةً غير ثابتة، ويتعرّض للتطوّر الجسميّ التشريحي والعقلي المعرفي والانفعاليّ والاجتماعيّ، بما يضمن تمييز شخصيّته المتفردة وبناءه السّلوكيّ والمهاري، ولا تتوقّف عمليّة التطوّر تلك عند مرحلة معيّنة، لكنّها تبدأ بالتّباطؤ في مراحل متأخّرة من عمر الإنسان؛ استجابةً لسنّة الحياة المتمثّلة بالهرم والشّيخوخة ثمّ الموت.
إنّ عمليّة النّمو هي سلسلة التغيّرات الدّاخلة ضمن دورة حياة الإنسان الحي من لحظة تكوين الزّايجوت وحتّى الممات، ويمكن تعريفها بأنّها عمليّة تتابع وسير التغيّرات التي تطرأ على جميع المظاهر النمائيّة المتتابعة للكائن الحي، وتسري بصورة منتظمة ومتناسقة ومنهجيّة ثابتة.
مراحل النّمو
تُقسم المراحل العمرية للإنسان على مدى حياته منذ تكوينه في أحشاء أمّه وحتّى الممات على النّحو الآتي:
- مرحلة ما قبل الولادة: وتشمل الحياة الجنينيّة للطّفل منذ الإخصاب وحتّى الميلاد.
- مرحلة الرضاعة: وتسمى بمرحلة المهد، وتستمرّ من لحظة ولادة الطّفل حتّى عمر السّنتين.
- مرحلة الطّفولة المبكّرة: وتبدأ من عمر السّنتين وحتّى السّت سنوات.
- مرحلة الطفولة الوسطى: وتبدأ من سن السّت سنوات وحتّى التّسع سنوات.
- مرحلة الطّفولة المتأخّرة: وتبدأ من سن التّسع سنوات حتّى سن الثانية عشر.
- مرحلة المراهقة : تبدأ مرحلة المراهقة من سن12-21.
- مرحلة النّضج: وتبدأ من نهاية مرحلة المراهقة حتّى بداية العقد الثّالث من العمر.
- مرحلة الرشد: وتتفرّع إلى مرحلتين: مرحلة الشّباب وتشمل العقد الثّالث والرّابع، ومرحلة الرّشد وتشمل العقد الخامس والسّادس.
- مرحلة الشيخوخة أو الكهولة: وتبدأ مع نهاية العقد السّابع حتّى الممات.
مراحل نموّ الأطفال
صُنّف نمو الطفال إلى أربع مراحل على النّحو الآتي:
مرحلة ما قبل الولادة
وتكون هذه المرحلة من بداية تكوّن الجنين داخل رحم أمّه من لحظة إخصاب البويضة وحتّى عمليّة الولادة وخروجه إلى عالمه الحقيقيّ، ولهذه المرحلة أهميّة خاصّة لما يكون فيها من التّأسيس السّليم للنّمو الحيوي النّفسي، وسير عمل التّغيّرات والتّطوّرات التي تحصل للجنين في هذه الفترة، وتؤثّر في سير حياة الفرد فيما بعد، فيتأثّر الجنين في مرحلة الحمل بالعديد من العوامل الداخليّة كالعوامل الوراثيّة من الصّفات الجسميّة الفسيولوجيّة وبعض الأمراض ومستوى الذّكاء العقلي وغيرها.
قد يتأثّر نمو الجنين أيضاً بالعوامل الخارجيّة أو البيئيّة كالأمراض التي قد تتعرّض لها الأمّ الحامل، وتغذية ونفسيّة الأم أثناء الحمل، وتناول العقاقير الطّبيّة وتعرّض الأم للإشعاع، كلّ هذا يؤثرفي الجنين وتفاعلاته وسلوكيّاته ونموّه مستقبلاً، فإذا كانت الأم ذات اتّجاهات إيجابيّة تجاه إنجابها للطّفل وكانت في حالة نفسيّة مستقرّة وتغذيتها جيّدة، ولم تتعرّض لأي عوامل خارجيّة تؤثّر بشكل سلبي في الجنين فإنّ ذلك يقودها إلى إنجاب طفل سويٍّ ومستقر.
مرحلة الرّضاعة
ينتقل الطّفل في هذه المرحلة من كائن ساكن إلى كائن متفاعل، يستجيب للمثيرات من حوله بشكل واضح، ومن فرد معتمد على أمّه في جميع وظائفه الحيويّة إلى فرد مستقلّ بذاته فسيولوجياً، كما تعتبر هذه المرحلة مرحلة انطلاق الطّفل بكامل نشاطه لتعرّفه إلى عالمه، فيكون نموّه الجسمي سريعاً يظهر فيه التّآزر الحسّي الحركي، والتّحكّم بحركاته كالحبو والمشي والجلوس والوقوف، وكلّما تقدّم الطّفل في هذه المرحلة تظهر الفروق الفرديّة بينه وبين أقرانه، كما يبدأ باكتساب وتعلّم اللّغة، وتكوين السّلوك الاجتماعي ومفهومه عن ذاته، وتظهر انفعالات الطّفل في هذه المرحلة بشكل واضح كالفرح والضّحك والبكاء وغيرها من الانفعالات التي يستجيب بها للمثيرات من حوله، وأبرز العوامل المؤثّرة في الطّفل في هذه المرحلة الفطام، وبزوغ الأسنان، وتعلّم الطّفل استعمال الحمّام.
مرحلة الطفولة المبكّرة
بعد أن تعلّم الطّفل في مرحلته السّابقة أساس مهاراته الحركيّة واللغويّة والاجتماعيّة وغيرها فإنّ ميله للحركة والشّقاوة في ازدياد ليزيد تعرّفه على عالمه وكل ما يحيط به، ويكون نموّه في هذه المرحلة سريعاً لكنّه أبطأ من مراحله السّابقة، كما يميّز هذه المرحلة اتّزان العمليّات الفسيولوجيّة، والتّحكّم الجيّد بعمليّة الإخراج، كما يتميّز الطّفل بالاستزادة العقليّة المعرفيّة فيريد معرفة كل شيء عن كل ما يثير انتباهه، فتكثر أسئلته بشكل كبير، وتظهر العمليّات العقليّة عند الطّفل من الفهم والتذكّر والتخيّل، وتتطوّر قدرته في تركيز الانتباه شيئاً فشيئاً، وعلى الرّغم من أنّ قدرته الإبداعيّة تكون في ذروتها في هذه المرحلة إلا أنّ تفكيره يكون مادّياً بحتاً، فهو لا يفهم المجرّدات، أمّا نمو الطّفل اللّغوي فيكون سريعاً، ويظهر في التّحصيل اللّغوي، وزيادة مخزون المفردات عنده، أو بالتّعبير عن ذاته وفهمه للغة الكبار من حوله، كما يتحسّن النّطق وسلامة مخارج الحروف، وتسمّى هذه المرحلة أيضاً بمرحلة ما قبل المدرسة.
مرحلة الطّفولة الوسطى
تتميّز هذه المرحلة بهدوء عمليّة النّمو بالنّسبة إلى مرحلة الطّفولة المبكّرة السّابقة ومرحلة المراهقة اللّاحقة، كما تعتبر هذه المرحلة الفترة المناسبة لعمليّة التّنشئة الاجتماعيّة، وغرس القيم الأخلاقيّة، ويعيش الطّفل نشاطاً زائداً ممّا يجعله يعيش حياةً مليئة باللّعب، كما يميل الطّفل إلى الاستقلاليّة وتحمّل المسؤوليّة والاعتماد على الذات، ويعايش الطّفل في هذه المرحلة الخروج الفعلي للمدرسة، وبالتّالي اتّساع دائرته الاجتماعيّة واستقلاله عن والديه، وتكوينه للصّداقات، وممارسة اللّعب الجماعي، ممّا يفتح للطّفل آفاقاً جديدة تجاه نفسه وأصدقائه، وفرض مكانته الاجتماعيّة، وفي هذه المرحلة يفقد الطّفل أغلب أسنانه اللبنيّة، وتنمو جميع الأسنان الدّائمة في نهاية الطّفولة المتأخّرة، وفي هذه الفترة يستطيع الطّفل تكوين الجمل المركّبة الطّويلة، وتتطوّر قدرة الطّفل على التّعبير من الشّفوي إلى التّعبير التّحريري مع مرور الوقت، وانتقال الطّفل من مرحلة دراسيّة للأخرى.
مرحلة الطفولة المتأخرة
يزداد التّباين الجنسي بين الذّكور والإناث تمهيداً لمرحلة المراهقة التي تلي هذه المرحلة، وفي هذه المرحلة يميل الطفل إلى السّيطرة وممارسة الألعاب المختلفة، وخاصّة التي تتطلّب مهارات كثيرة، فيصبح قادراً بشكل أفضل على التحكّم بحركاته، وزيادة سرعتها وقوّتها، كما يُقبل الطّفل على قراءة القصص، وتظهر قدرته على التقليد، وتُسمّى هذه المرحلة أحياناً بمرحلة المغامرة والبطولة.
تكمن أهميّة هذه المرحلة في أنّ الطّفل يصبح مسيطراً تقريباً على المهارات القرائيّة، فتتطوّر لديه القدرة على الفهم والتّأثير، ويتّضح في هذه الفترة فهم الطّفل للمعاني المجرّدة كالصّدق والأمانة والكذب وغيرها، وتتطوّر القدرة الذاتيّة للطّفل على الضّبط الدّاخلي للسّلوك، ويزداد نموّه اللّغوي فيصبح قادراً على إنشاء حوار منطقيّ، ويكون التّفاعل الاجتماعي مع أقرانه في أوجه، حيث تشكّل جماعة الرّفاق البيئة المجتمعيّة العظمى لدى الطّفل.
أهميّة معرفة مراحل النّمو في الطفولة
يتوجّب على أهالي الأطفال ومعلميهم الدّراية الكافية بمراحل نموّ الأطفال والتغيّرات الجسميّة والعقليّة والانفعاليّة التي تطرأ عليهم، ومعرفة التطوّر الطّبيعي الذي يسير عليه الطّفل في عمليّته النمائيّة لملاحظة القصور في أي جانب من هذه الجوانب؛ لإحداث التّدخل الإيجابي اللّازم، ومنه إلى فهم سلوكيّات الطّفل وانفعالاته مع ملاحظة المؤثّرات الخارجيّة والداخليّة التي تؤثّر في سير هذه السلوكيّات وتلبية حاجاته في كل مرحلة من هذه المراحل، كما يجب الإحاطة بالاضطرابات المتوقّع أن يمر بها الطّفل، وكيفيّة التّعامل معها، والتحكّم بها، والطّرق المناسبة لعلاجها.