تكوين الجنين في الشهر الخامس

تكوين الجنين في الشهر الخامس
تكوين الجنين في الشهر الخامس

الحمل وتكوين الجنين

يَحدُثُ الحَملُ عندَ المرأةِ عندما ينجَحُ حيوانٌ منويٌ واحدٌ بينَ ملايينِ الحيواناتِ المُفرَزةِ من الذَّكرِ لحظةَ مُمارسةِ الجِماعِ بتلقيحِ البويضةِ الوحيدةِ التي تفرزها الأنثى ضمن دورةِ الرَّحم الشَهريَّة، ويحدُثُ التَّلقيحُ باندماجِ كلتا النُّطفتينِ الذَّكريةِ والأنثويَّةِ معاً ليُشكِّلا معاً بويضةً مُخصبةً تبداُ مِنها حياةُ الجَنينِ، ثمَّ تتطوَّرُ هذه الخليَةُ الوَحيدةُ عبرَ انقساماتٍ مُتعدِّدةٍ لِتكوِّنَ كامِلَ الجَسَدِ البشريِّ الذي يتطوَّرُ أثناءَ فترةِ الحَملِ البالِغةِ تِسعةَ أشهُرٍ لِتبدأ بعدها مظاهرُ الحياةِ الطبيعية للجنين المُكتَمِلِ حالَ خُروجِهِ من الرَّحم.

الحمل في الشَّهر الخامس

يتَوسَّط الشَّهرُ الخَامِس من الحَملِ رِحلَة الحَمْل الشَاقَّة، حَيثُ يبدَأُ مِن الأسبُوع الثَّامن عشَر ويمتدُّ حتَّى انْتِهاء الأُسبُوع الحادي والعِشرِين، وتكُون الأُمّ قدْ وَصلَتْ إلَى الثُّلث الثَّانِي في الحَمل، ويتميَّز هَذا الشَّهر بالرَّاحة بالنِّسبَة للأُم مقارَنَةً بالشّهُور الأُولَى الَتِي كانَتْ ملِيئَة بالغَثَيان والإِرهَاق والدُّوار، ومِنْ ناحِيَة أُخرَى فإنَّ الشَّهرَ الخامِسَ بَعيدٌ مَرحليّاً عَنْ الأشهُر الأخِيرَة وَما تَحمِلُه معَها مِنْ ثِقَلٍ وآلَام. وبِشكلٍ عَام فإِّن كلّ أُسْبُوع مِن أسابِيع الحَمل لهُ تَطَوُّراتِه سَواءٌ عَلى صِحَّة الأُمّ أو عَلَى بُنيَة الجنِين وتشْكِيلِه، ولا يَخْلو الشَّهرُ الخامِسُ كَغيرِه من أشهُرِ الحَملِ من الآلامِ والتقلُّباتِ النَفسيَّةِ والصُّعوباتِ التكيُّفيَّة، مَع التطوُّرِ المَلحوظِ في الوَزنِ والقابليَّةِ الغذائيَّةِ واختِلالاتِ الاتِّزانِ الدَاخليّ، إلّا أنَّهُ يتمَيَّزُ بالهدوءِ والاستِقرارِ أكثَر.

تكوين الجنين في الشَّهر الخامس

يَتَّسِمُ الشَّهرُ الخامِسُ مِن عُمرِ الجَنينِ بكونِهِ شهرُ النُموِّ السَّريعِ؛ حيثُ تأخُذُ الأعضاءُ الدَاخليَّة التي اكتَمَل تَشكُّلها سابقاً بالنُّضجِ، ويبدأُ الدُّهنُ الأسمرُ (بالإنجليزيَّة: Brown Fat) بالنُموِّ تَحتَ جِلدِ الطَّفلِ، ويزازدُ طولُ الجَنينِ تِباعاً؛ حيثُ يَبلُغُ طولُ الجَنينِ في بدايَةِ الشَّهر الخامِسِ حوالي 14 سنتيميتر، فيما يَصِلُ مَع نِهايتِهِ إلى حُدودِ 25 سنتيميتر، كما يزدادُ وزن الجَنينِ بِمعدَّلٍ يُقارِبُ 200 غرام؛ إذ يَبدأ وَزنُهُ بالارتِفاعِ التدريجيّ بِفعلِ سُرعَةِ التَّكوينِ وبِناءِ الدُّهونِ أَسفَلَ بَشَرَتِه، ويكونُ وَزنُهُ في بِدايَةِ الشَّهرِ الخامِسِ بُحدودِ 200 غرام، فيما يَبلُغُ وَزنُهُ مَع نِهايةَ الشَّهر 350 – 400 غرام، ويُمكِنُ تَمييزُ التغيُّراتِ البِنائيَّةِ والتَكوينيَّةِ لِجنينِ الشَّهرِ الخامِسِ إلى أربَعِ فَتَراتٍ زَمنيَّةٍ كما يَأتي:

الأسبوعُ الثّامِن عَشر من عُمرِ الجَنين

يُعدُّ الأُسبوعُ الأوَّل مِن شَهرِ الحَملِ الخامِس الأنسَب لإجراء فحص السُّلى اللّازِمِ للتَحقُّقِ من سلامةِ الجَنين من أيِّ اختلالاتٍ جِنسيَّةٍ أو جينيَّةٍ، حيثُ تكونُ أعضاؤهُ التَناسليَّةُ واضِحةً جدّاً ويُمكِنُ تمييزُ جِنسِهِ. يبلُغُ طولُ الجَنينِ في هذا الأسبوع 15 سنتيميتر تقريباً فيما يبلُغُ وزنُهُ 200 غرام تقريباً، وتبدأُ الدُّهونُ بالتَكوّنِ تحتَ جلدِ الجنينِ شيئاً فشيئاً، كما تتشكَّلُ مادَّةٌ وِقائيَّةٌ دُهنيّةٌ بيضاء تُسمَّى الميلانين لِتُغلِّفَ المحورَ العصبيَّ والأنسجةَ العصبيَّةَ ثمَّ تبدأُ بالالتفافِ ببطءٍ حولَ الحبلِ النُخاعيّ لِتُتابِعَ نُموَّها حتَّى بعدَ وِلادةِ الجَنينِ لِسنةٍ كامِلة، وفي هذا الأسبوعِ تبدأ بَعضُ العمليَّاتِ الحيويَّةِ للجنينِ بالظُّهورِ؛ إذ يُصبِحُ مِن السَّهلِ الاستِماعُ إلى ضَرباتِ قَلبِهِ عَبرَ سمَّاعةِ الطّبيبِ، كما تَظهرُ حرَكَتُهُ الدَورانيَّةُ في جميعِ الاتِّجاهاتِ، ويَبدأُ دِماغُهُ بِتحليلِ الأصواتِ التي تَصِلُ إليهِ عبرَ الأذُنِ التي استقرَّت بِموضِعِها النِهائيّ، وتُصبِحُ شبكيَّتُه حسَّاسةً جدّاً للضُّوء.

الأسبوعُ التّاسِع عَشر من عُمرِ الجَنين

يَستمرُّ طولُ الجَنينِ بالزّيادَةِ بِصورةٍ مَلحوظَةٍ؛ حيثُ يَصِلُ طولُهُ إلى نحوِ 18 سنتيميتر، فيما يبلُغُ وَزنهُ حُدود 250 غرام، وتُغطِّي جِسمَهُ مادَّةٌ بيضاءُ لَزِجةٌ مُكوَّنةٌ مِن الزَّغَبِ وخلايا جِلدِهِ الميتَةِ ودُهون، وتعتَبَرُ هذهِ الطَّبَقَةُ مُهمَّة لِحمايَةِ الجَنينِ من تأثيرِ السَّائلِ الرَّهلي المُحيطِ بِه، والذي يَبتَلِعُ الجَنينُ جزءاً مِنهُ ابتداءً من هذهِ المَرحلَةِ، فيما تَعملُ كِلْيتاهُ على إفرازِ البول. وفي هذا الأسبوعِ تستقِرُّ الخلايا العصبيَّةُ الحِسّيَّةُ في أماكِنِها الخاصَّةِ في الدِّماغِ ويَبلُغُ نُموُّ أعصابِ الجَنينِ الحِسيَّةِ ذروتَه، وتَرتَبِطُ الخلايا العصبيَّةُ بينَ دِماغِ الجنينِ وعَضلاتِه. مِن ناحيةٍِ أخرى فإنَّ طبقةَ الدُّهونِ الميلانيَّةِ تستمرُّ بالنُموِّ تحتَ جِلدِ الجَنينِ لِتَمنَحهُ لَوناً مُوحّداً لِبَشَرَتِهِ، وتُحافِظَ على تَدفِأتِهِ خلالَ انتِقالِه من عالَمِهِ الخاصّ في الرَّحمِ إلى العالَمِ الخارجيّ. أمَّا بالنِّسبَةِ لِمظهَرِهِ الخارجيّ فإنَّ أطرافَهُ العُلويَّة والسُفليَّة تَكتَمِلُ لِتَظهَرَ بِمظهَرها الطَبيعيّ، ويَنبُتُ الشَّعرُ على فَروةِ رأسِه.

الأسبوعُ العشرون من عُمرِ الجَنين

يتميَّزُ هذا الأسبوع بِتشكُّلِ المظهرِ الحقيقيّ للجنين لِيُصبِحَ مُقارباً بصورةٍ كَبيرَةٍ لشَكلَ الطِّفلِ الاعتياديّ، ويزدادُ طولُ الجَنينِ في هذا الأسبوع لِيَصِلَ مع نِهايَتِهِ إلى حدودِ 20 سنتيميتراً، فيما يَصِلُ وَزنُهُ إلى حُدودِ 300 غرام، وفي هذه الأثناءِ تُتابِعُ الطَّبقاتُ الدُهنيَّةُ بِناءها في أنحاءِ الجِسمِ المُختَلِفةِ، وتَبدأُ طَبَقةٌ دُهنيَّةٌ لَزِجةٌ تَميلُ إلى البياضِ، تُدعى الطِّلاءَ الجُبنيّ، بالتَشكُّلِ فوقَ بَشرةِ الجِنينِ لِتمنَع إصابَتها بالتشقُّقاتِ وتَحميها من طولِ تعرُّضِها للسَّائِلِ السلويّ أو الرَهليّ الذي يَسبَحُ فيهِ الجنين، ثُمَّ لِتساعِدَ في تَسهيلِ انزِلاقِ الجنينِ أثناءَ عَمليَّةِ الوِلادة، ونتيجةً لِتعرُّضِ الجنينِ المُباشِرِ للسّائِلِ الرهليّ واكتِمالِ بِنائهِ الدَّاخليّ فإنَّهُ يَبتَلِعُ عيّناتٍ مِن السّائلِ قَد تُساهِمُ في تغذيَةِ الطِّفلِ، وتُمرِّنُ جِهازهُ الهضميّ ليمتصّ جسمُهُ الماءَ مِنها، ويَطرح الباقي باتّجاهِ الأمعاءِ الغليظةِ التي تَنشطُ في تلكَ الفترةِ لتكوِّنَ ما يُعرَفُ عِلميّاً بالإنجليزيَّةِ (meconium)؛ وهيَ مجموعَةٌ مِن إفرازاتٍ هَضميَّةٍ وخلايا ميتةٍ تتجمّعُ في أمعاءِ الجنينِ لِتخرُجَ على هيئةِ بُرازٍ بِدائيٍّ غير مؤذٍ. كما تتمايزُ طبقاتُ الجلدِ ببنائِها لِتكوِّنَ طَبقاتٍ ثلاثٍ هيَ البَشرةُ والأدمةُ والوُسطى، ويستمرُّ نموُّ الشَّعرِ والأظافِرِ، وتَبدأُ الأسنانُ الدَّائِمةُ بالتَّكوُنِ خلفَ الأسنانِ اللبنيَّةِ.”/>

الأسبوعُ الحادي والعشرون من عُمرِ الجَنين

في هذا الأسبوعِ تَظهرُ صورةُ جنينِ الشَّهرِ الخامسِ النِهائيَّةِ، ولا شيءَ مُميِّزٌ لِهذهِ المرحلةِ الزَمنيَّةِ أكثَرَ من انتظامِ النَّومِ والاستيقاظِ ونشاطِ الجنينِ الحركيِّ؛ إذ تَشعُرُ الأمُّ بحركةِ الجنينِ ورَكلاتِهِ خلالَ فترةِ استيقاظِهِ المُتَّزِنةِ والتي تُقارِبُ نِصفَ اليومِ تقريباً، فيما يَغيبُ نشاطُهُ في النِّصفِ الآخرِ الذي يقضيهِ نائماً بِسكون.

يَصِلُ طولُ الجَنينِ في نهايةِ الشَّهرِ حدّاً قياسيّاً يَصِلُ إلى 27 سنتيميتراً أو قد يَزيدُ وينقُصُ تَبعاً لِنموِّ الجنينِ ووِراثَتِهِ، فيما يبلُغُ وَزنُهُ حدودَ 400 غرام تقريباً أو قَد يزيدُ وينقُصُ تبعاً لِنموِّهِ وتغذيَتِهِ لِيتفوَّقَ بِذلكَ على وَزنِ المَشيمَةِ التي تُواصِلُ النُموَّ حتّى الوِلادة، وتظهَرُ الأعضاءُ التَناسليَّةُ بشكلٍ واضِحٍ؛ إذ يَصِلُ نموُّ المهبلِ للجنينِ الأُنثى مراحِلَ مُتَقدِّمةٍ تتمايَزُ فيهِ قنواتُ فالوب ومُعظمُ التَّراكيبِ الجنسيَّةِ الأنثويَّةِ، فيما تظهَرُ التَّراكيبُ الجنسيَّةُ للجنينِ الذّكرِ وقدِ اكتملت الى حدٍ ما. أمّا المَظهرُ الخارجيُّ فإنّهُ يَحمِلُ المَزيدَ مِن التّكويناتِ المُمَيَّزةِ؛ فَتظهَرُ فَروة الرّأسِ مُغطَّاةٌ بالشَّعرِ الذي مازالَ مُستمرّاً بالنموِّ، ويَكتمِلُ تكوُّنُ الحاجِبانِ والجفنانِ وتتغطَّى رؤوسُ الأصابِعِ بالأظافر، كما يَكتَسي جَسدُ الجنينِ بالزَّغَبِ الذي يعودُ لِيختفي قَبلَ الوِلادةِ. ويُشيرُ الأطبَّاءُ إلى شدَّةِ حساسيّةِ الجنينِ واستِجابتِهِ للأصواتِ في هذا الأسبوع، حتَّى انَّهُ قَد يَهدأ أو يثورُ استجابةً للأصواتِ المُنبَعِثةِ من البيئةِ المُحيطة.