إنّ الهدف الأساسي من الزواج بناء أسرة متكاملة تعيش باستقرار وسكينة. وقد شرّع الإسلام الزواج لغايات وأهداف نبيلة، أسماها الإنجاب وتكثير النسل. وقد حثّت أحاديث وآيات قرآنيّة كثيرة على الإنجاب، يقول رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – : “تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَم”. وقد حرّم كذلك الأسباب التي تؤثّر على التكاثر والتناسل، فنهى عن وأد البنات وهم أحياء، ونهى عن الرهبنة وتحريم الزواج، قال تعالى: “ورهبانيّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم الابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها” (سورة الحديد: 27).
لكن على الرّغم من أنّ الإسلام حثّ على التّكاثر والتّناسل، إلّا أنّه لم يحرّم تنظيم النّسل، بهدف إيجاد التوازن والقدرة على تربية الأولاد مع إعطاء الأولاد كل حقوقهم دون تقصير. في عصرنا الحاليّ هناك مفهومان مختلفان للتناسل والإنجاب؛ فتنظيم النّسل وتحديد النّسل يهدفان لمنع الإنجاب لكن هناك فروق كثيرة بينهما.
فتنظيم النّسل هو المباعدة بين كل حمل وآخر لفترة زمنيّة معيّنة باستخدام وسائل منع الحمل، وتنظيم النّسل هو نفسه تنظيم الأسرة أو ما يسمّى بالأبوّة المنظمّة. أمّا تحديد النسل فهو تحديد عدد الأولاد المراد إنجابهم، من خلال استخدام وسائل منع الحمل، أو بعض الممارسات التي تمنع الحمل. وهناك طرق كثيرة لمنع الحمل سواء بالعزل “عن طريقة منع إخصاب البويضة بالحيوانات المنويّة، أو عن طريق الإجهاض وإسقاط الجنين في مرحلة النمو، أو من خلال نزع الرّحم لعدم الحمل نهائياً، أو من خلال استخدام الواقيات الذكريّة.
وقد بدأ مفهوم “تحديد النّسل” في الغرب بدايةً، وذلك عام 1914م على يد الأمريكيّة “مارجريت سانجر”، والتي حثّت النساء على استخدام وسائل منع الحمل، ومن ثمّ بدأ هذا المفهوم بالانتشار، وبدأت معها تتطوّر وسائل منع الحمل. في ستينات القرن الماضي أقرّت دول غربيّة كثيرة برامج لتنظيم الأسرة، وأصدرت قوانين صارمة بهذا الصدد.
وقد كانت اليابان الدولة الأولى التي قامت بإصدار قرارات وطنيّة لتنظيم النّسل، وقد أجازت قوانين تسمح بمنع الحمل والإجهاض، وذلك عام 1948م. أمّا الصّين، فقد اتّخذت إجراءات صارمة جداً بهذا الصدد، حيث أنّها حدّدت عدد المواليد لكل عائلة بطفل واحد فقط مسموح به، وذلك بسبب النموّ السكانيّ الكبير الذي تعاني منه، وقد أصدرت قوانين عقابيّة لمن يخالف هذا القانون. وفي الهند وهي الدولة الثانية الأكثر سكاناً بعد الصّين، فقد أنشأت برنامجاً وطنياً يدعو إلى العقم لدى الذكور، للتقليل من النموّ السكانيّ المتسارع.
وقد انتشر مفهوم تحديد النسل في بقيّة دول العالم، كما في بريطانيا، وكندا، وأمريكا، حتّى في دول العالم الثالث والعالم العربيّ. لكن في العالم العربيّ لاقى هذا المفهوم في البداية رفضاً شديداً له، حيث أنّه يتعارض مع مفاهيم الإسلام للزواج وحثّه على التّناسل.
ومع تطوّر العصر ظهرت فتاوي توّضح الحكم أكثر بهذا الموضوع. فقد خلص العلماء المسلمون أنّ “تنظيم النسل” بغرض تنظيم الأسرة دون تحديد لعدد محدّد للأولاد جائز. أمّا “تحديد النّسل” فله حالتان: الحالة الأولى إن كان تحديد النّسل خوفاً من انقطاع الرّزق أو قلّة المال، فهذا حرام وغير جائز. أمّا الحالة الثانية عندما يكون تحديد النّسل لمصلحة الأمّ والأسرة، فهو جائز بشرط أن بفحص طبيب مختصّ الأم، ويرى أنّ حملها يشكّل خطراً عليها وعلى جنينها، ويشترط أن يكون هذا قبل الحمل وليس بعده، فالإجهاض حرام ما لم يضرّ بصحّة الأم.